في خطوة مفاجئة، قررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض لأجل ليلة واحدة مساء أول من أمس، بواقع 200 نقطة دفعة واحدة لتصبح 16.75 و17.75 في المئة. وجاء القرار مخالفاً لتوقعات المحللين، والتي كانت ترجح تثبيت سعر الفائدة على الإيداع والإقراض عند مستويات 14.75 و15.75 في المئة. وترى لجنة السياسة النقدية أن رفع الفائدة يتسق مع تحقيق المسار المستهدف لانخفاض معدل التضخم، وأن هدفها تقييد الأوضاع النقدية لاحتواء التضخم الضمني بعد استبعاد صدمات العرض، والذي يتأثر بتوقعات التضخم والضغوط الناجمة عن جانب الطلب، وليس لتحييد أثار الصدمات الناجمة عن جانب العرض. واعتبرت أن مستويات التضخم السنوية ما زالت تعكس نتيجة الإجراءات الهيكلية التي اتخذها المصرف المركزي منذ تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، وأن ارتفاع التضخم مدعوم بارتفاعات سعر الصرف وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وخفض دعم الطاقة والزيادة الجمركية لبعض السلع. وأضافت اللجنة أن الهدف هو الوصول بمعدل التضخم العام السنوي إلى مستوى 13 في المئة في الربع الأخير من العام المقبل، مشيرة إلى أن أداء النشاط الاقتصادي تحسن وانخفضت معدلات البطالة، وأن النمو الاقتصادي سجّل 3.9 في المئة خلال الربع الثالث من العام المالي الحالي، في مقابل 3.8 و3.4 في المئة في الربعين الثاني والأول، على رغم تقييد الأوضاع النقدية. ونقلت وكالة «رويترز» أن غالبية الأسهم القيادية في بورصة مصر هوت بعد قرار البنك المركزي، إذ هبط المؤشر المصري الرئيس 2.4 في المئة إلى 12668.9 نقطة. وتكبدت أسهم «حديد عز» و «القلعة» و «جي بي أوتو» و «المصرية للمنتجعات السياحية» و «عامر غروب» خسائر بالحد الأقصى البالغ عشرة في المئة، وسط اختفاء طلبات الشراء لتلك الأسهم. وفقدت الأسهم أكثر من 12 بليون جنيه من قيمتها السوقية. وعلى مدى سنة ونصف السنة، لم تتراجع بورصة مصر بهذا الحجم ولا حتى في حزيران (يونيو) عندما رفع البنك المركزي سعر الفائدة 100 نقطة أساس، ولا في تشرين الثاني عندما حرر سعر صرف العملة ورفع الفائدة 300 نقطة أساس. وسبق لبعض الخبراء لدى صندوق النقد أن أبدوا «تطلعهم» نحو استخدام أسعار الفائدة كإحدى الأدوات المتاحة للسيطرة على معدلات التضخم المتزايدة في الاقتصاد المصري. وظهر ذلك تحديداً حين أشار مدير الصندوق للشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور إلى أسعار الفائدة باعتبارها «الأداة الصحيحة» لكبح معدلات التضخم الثلاثينية التي شهدتها مصر أخيراً. وترى المحللة الاقتصادية في شركة «مباشر إنترناشيونال» إسراء أحمد، أن سلاح رفع الفائدة لم يعد مجدياً لمحاربة التضخم الناتج من ارتفاع التكاليف بالأساس، بل إنه يؤثر سلباً في عجز الموازنة بسبب زيادة كلفة خدمة الدَّين الحكومي. وأوضحت أن التضخم المرتفع هو ظاهرة مؤلمة لكنها موقتة وهي نتيجة طبيعية، وإن كانت قاسية، لقرارات تشرين الثاني. وبدأت مصر تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي تضمن تحرير سعر الصرف خلال تشرين الثاني الماضي، بالتزامن مع إجراء موجة لخفض دعم الطاقة، كما بدأت تطبيق ضريبة القيمة المضافة. وتعاني مصر من تضخم عنيف في الأسعار عقب تراجع قيمة العملة المحلية بأكثر من النصف، في ظل كونها دولة مستوردة بالأساس لغالبية السلع الأساسية، فضلاً عن المواد البترولية. وأكد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في بيان أن معدل التضخم يواصل قفزاته منذ تحرير سعر الصرف، ليسجل 32.9 في المئة على أساس سنوي نهاية نيسان (أبريل) الفائت. وقال محلل الاقتصاد الكلّي هاني جنينة، أن قرار رفع الفائدة يُعدّ خطوة استباقية للسيطرة على معدلات التضخم، قبل اتخاذ إجراءات ترشيد الدعم المتوقعة في تموز (يوليو) المقبل. وتوقع وزير المال عمرو الجارحي، أن تبدأ مستويات التضخم في التراجع مقارنة بالمعدلات الحالية في شهري تشرين الثاني وكانون الأول (ديسمبر)، بعد مرور دورة سنة كاملة على تحرير سعر الصرف. وتنفذ مصر برنامج إصلاح اقتصادياً بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض قيمته 12 بليون دولار، وحصلت الحكومة على الشريحة الأولى خلال تشرين الثاني بقيمة 2.75 بليون دولار.