لم يمضِ على تعيين الدكتور هاني أبو راس أميناً لجدة سوى أقل من أربعة أشهر، وهو هنا لا يُلام على أخطاء الأمانة السابقة كأمين، إلا أنه كان موظفاً فيها على مدى السنوات الست الماضية. لكن أن تقوم الأمانة بعد مطر يومي الأربعاء والخميس الماضيين بالتحايل على الرأي العام من خلال إنقاذ مرافق ومشاريع تحمل أهمية إعلامية وحكومية على حساب المواطنين، فهذا أفدح وأقسى من الأخطاء السابقة. يقول الخبر الذي تم تداوله في الصحف بشكل واسع نقلاً عن «موقع اليوتيوب» ووسائل الإعلام الحديثة: «إن بلدية جدة وضعت «الردم» لمنع غرق نفق طريق الملك عبدالله، ما تسبب في غرق الأحياء المجاورة له». إذاً أمانة جدة الموقرة، وهرباً من فضيحة غرق المشاريع السابقة، قامت بالتركيز على نفق طريق الملك عبدالله حتى لا يغرق مرة أخرى، وتنكشف «سوءة الأمانة»، ووَضعت في طريق السيل المقبل من الأحياء المجاورة سدوداً ترابية، التي بالفعل نجحت في منع ووصول المياه إلى النفق لكنها أغرقت «حياة الناس» داخل طرقاتهم وأحيائهم. وأجد أنه من المفيد أن أذكر «الدكتور هاني» وأمانته الموقرة أن الدولة لا تقبل أن تحمي النفق وتُغرق الناس، بل يهمها أن تحمي أرواح وحياة الناس أولاً ومن ثَم تحمي المشاريع التنموية. صدقني يا «معالي الأمين»: إن ذلك لا ينفعكم ولا يشفع لكم لا عند المسؤول والإعلام ولا سكان جدة، فمشروع النفق فشل في تصريف المياه وسيفشل في كل مطر مقبل. لذلك فالحل ليس في غمر بيوت الناس بدلاً منه، بل بإعادة النظر في النفق وتحميل المقاول كلفة كل خلل يصاب به، ومحاسبة مسؤولي الأمانة الذين استغرقوا عاماً كاملاً من دون أن يعالجوا المشكلة. كما أن الحل ليس في التحايل على الإعلام والتجمل بقشور الإنقاذ والشفط، فالأماكن الحرجة في جدة كثيرة جداً وهي ليست عند المستشفى الدولي، وليست طريق الملك فقط «مع أهميتها»، بل هي في كل الأحياء الفقيرة التي اختلط فيها الماء بالوحل والمجاري، وأصبحت جزءاً من قوت الناس وهوائهم وملابسهم. لقد تصالح الناس مع حال «البلل» الدائم بعد كل «رشقة مطر» تصيب جدة، لكنهم لن يتصالحوا مع «بلل يتبعه بلاء». لقد أصبح في ما يبدو من المفيد ألا تتدخل الأمانة إلا بعد انتهاء الأمطار، لأن أجندتها وأولوياتها مختلفة عن أولويات الناس. ولأن ما فعلته أمانة جدة يعتبر اجتهاداً فاشلاً بكل المقاييس، فهي بدلاً من حل مشكلاتها قامت بترحيلها ورميها على «المواطن الضعيف»، لكن أيتها الأمانة احذري فالإعلام الجديد الذي يصنع «بأيدي الناس» أصبح أقسى وأمر من الإعلام التقليدي، فالناس يصورون ويسجلون ويوثقون وينشرون «خبرك» في الآفاق، ولا مجال وقتها لا للتحايل ولا للإنكار. [email protected]