بينما كانت السنة تقترب من خاتمتها بالنسبة إلى وول ستريت ومنطقة السيتي (المالية في لندن)، لم تبرز إشارات تذكر عن استعادة الخدمات المالية سمعتها في أعين دافعي الضرائب الذين سددوا قروض الإنقاذ للمصارف قبل عامين. وبعدما تضخمت حصصها في اقتصاديّ الولاياتالمتحدة وبريطانيا، بدأت مصارف الاستثمار تشعر بصعوبة تقليص نفسها والآلام التي تسببها العملية هذه. بيد أن عليها التقلص في مجالي النفوذ والمخاطر التي تقدم عليها، إذا أرادت المصارف استعادة شرعيتها. وما زال العديد من المصرفيين يكافح لاستيعاب ضخامة ما حصل وتداعيات إنقاذ المصارف من قبل الحكومات. ويود المصرفيون، ببساطة، العودة إلى ثقافة المكافآت والأسئلة القليلة التي ترافقها. واعترف عدد قليل من المصارف، أهمها «غولدمان ساكس» بالضرر الذي كان يمكن ان يلحق به على المدى الطويل في حال أخفق في التصدي للتحدي هذا. بيد أن «غولدمان» وآخرين ما زالوا يأملون بتقليص الاعباء المترتبة عليهم والتخلص من التضارب في مصالحهم والعودة الى مستوى الارباح المرتفع للعام 2007. في الواقع، سيكون الأمر عسير الإنجاز، إن لم يكن محالاً. في مرحلة أعقبت أزمة ال2008، حققت الأقسام التجارية التابعة للمصارف أرباحاً كبيرة بسبب تراجع معدلات الفائدة في الوقت الذي كانت تتمتع فيه بدعم الدولة. لكن معدلات الفوائد طويلة الأمد ارتفعت ما فرض ضغطاً على العائدات. في ال2011 ستخضع المصارف لاختبار «الوضع الطبيعي الجديد». وبدلاً من ان تكون قادرة على ضغط الهوامش بملاءة عالية واللجوء إلى مشتقات القروض المعقدة، سيتعين عليها العمل في ظروف مضبوطة تحت إشراف صارم لأجهزة الرقابة العالمية. و «قانون دود - فرانك» (الذي وقعه الرئيس باراك اوباما في تموز (يوليو/ 2010) ينطوي على قواعد وتنظيمات جديدة وستظهر آثاره في العام الجديد. وستختفي بعض النشاطات التي تقوم المصارف بها لتحقيق الأرباح لنفسها. مهما يكن من أمر، لا يريد المشرفون على نظام المصارف أن يُخدعوا من جديد. فالإجماع على عدم الإشراف المالي الذي ساد في التسعينات وفي العقد الماضي، حلت مكانه مقاربة صارمة ستستمر لاعوام مقبلة عدة. وغالباً ما تكون الذاكرة قصيرة في الأسواق المالية لكن أزمة 2008 سيستغرق الخروج منها بعض الوقت. وبعبارات السياسة، ليس هناك من داع لاحتلال الخدمات المالية هذا الدور البارز في التاريخ المعاصر. فالمصارف في حاجة الى ضبط هذا المزيج من ضرورة التنظيم والضغط المالي. وعليها اظهار انها تقوم بعمل مفيد امام جمهور عريض يتجاوز موظفيها والمستثمرين. ويمكن المصارف المفتوحة للعموم (التي تتعامل مباشرة مع الزبائن الافراد وليس المؤسسات او المصارف الأخرى) مباشرة تخفيف قيودها على الرهن العقاري وعلى قروض الاعمال الصغيرة. وبالنسبة الى وول ستريت، سيكون من العسير استعادة الشرعية. وعلى رغم ان مصارف الاستثمار توفر قدرة الحركة للتجارة العالمية وتساعد الشركات متعددة الجنسية على العمل، ما زال دافع الضرائب العادي يتساءل عن سبب وجودها. وإذا لم تقدم جواباً مقبولاً ستظل تمثل الشرير بالنسبة الى الجمهور. والتحدي هو في إعادة تنظيم مجدية والتحلي بالمزيد من التواضع والشفافية في الاعمال. وقد لا يُسر العاملون في المصارف بهذه الوقائع الا ان ذلك يشكل أفضل آمالهم. * افتتاحية، عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 28/12/2010، إعداد حسام عيتاني