نفى (رجل الأعمال الروسي مخائيل) خودوروفسكي و (مساعده أفلاطون) ليبيديف أمام المحكمة مسوؤلتيهما عن اختلاس النفط في الشركات المتفرعة عن يوكوس في فترة 1998 – 2003، وأسهم الشركة النفطية الشرقية وامتلاكها، بواسطة التزوير. لكن أقوال شهود الدفاع استخدمت لمصلحة الاتهام، او اعتبرت غير كافية. وحكم عليهما بالسجن لمدة 14 سنة انقضى منها حتى الآن سبع سنوات. والقرار الاتهامي الصادر بحق خودوروفسكي وليبيديف يؤكد أن المرحلة الجديدة من الإصلاح القضائي التي يتكلم عنها (الرئيس) ديمتري مدفيديف منذ انتخابه رئيساً لروسيا، يصعب البدء بها، ويمكن اعتبارها منتهية مسبقاً. ولا أحد في الغرب او روسيا، خصوصاً المشككين بالنظام السياسي الحالي يصدق بوجود اساس سليم للقرار، ما عدا الذين يرون مع فلاديمير بوتين ان «السارق يجب ان يقيم في السجن». وهذا يعني من الناحية الأخلاقية تحقيق «العدالة الشعبية»، مع انه عملياً يخضع لاعتبارات سياسية تغلبت على سلطة القانون الحيادي. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول إن تمنيات مدفيديف بأن يحظى النظام القضائي بثقة المواطنين، تظل شكلية، وان الإجراءات المتخذة لتطويره تعتبر ثانوية ومن دون قيمة حقيقية. والثقة هذه مفقودة ليس لدى الغاضبين على القرار الاتهامي فحسب، بل والمعترضين أيضاً على القرارات غير القانونية الكثيرة، ومنها ما يتعلق بقضية مكافحة ضد المخدرات «يتشكوف» الذي صدر بحقه حكم بالسجن مع وقف التنفيذ، بعد تدخل مدفيديف، وقضية الضابطين اراكتشيف وخودياكوف المحكومين خلافاً لرأي المحلفين. والقرار الاتهامي الحالي يطرح اسئلة مشككة بمسألة تحديث روسيا ومستقبلها واسس النشاط الاقتصادي فيها. والجوهري هو اقتناع الجميع بإمكان تنفيذ أي عملية سياسية بواسطة القضاء مع فرض حكم محدد مسبقاً، ما يجعل افتراض وجود سلطة ثالثة يسميها مدفيديف «القضاء المستقل» سخيفاً. ويبدو أن الدولة تستطيع الاستغناء عن القضاء هذا، والأمثلة التاريخية على ذلك كثيرة. وهناك إمبراطوريات عاشت على مدى عصور طويلة من دون الفصل بين السلطات ولجأت أحياناً الى تحديث اقتصادها. وبطرس الاكبر نفذ اصلاحاته المشهورة من دون «القضاء المستقل». لكن الوضع هذا غير مريح اطلاقاً، ويدفع المواطنين الى الرغبة بتغييره، ما دام العيش ممكناً بطريقة اخرى افضل من الحالية. وهنا تظهر مسألتان مهمتان، الاولى تتعلق بسلوك المراجع المسؤولة عن تحقيق عدالة القضاء، والتي من دون ايضاح تؤجل جلسات المحكمة، وتغلق المحاكمة المفتوحة، وتأمر ارسال المضربين السلميين الى المخافر، وتطرد اقرباء واصدقاء المتهم من قاعة المحكمة. والمسألة الثانية اكثر اهمية وتشير الى ان القضاء التقليدي في روسيا المجبر على مواجهة النزاعات القومية والاجتماعية الصعبة، يغلق اي منفذ للتوصل الى حلول سليمة للتناقضات السائدة. ويستحيل استبدال مثل هذا القضاء فجأة بنوع آخر «سليم» ومستقيم، في ظل طريقة اصدار الاحكام الحالية، والاستعراضات القائمة. ويمكن التكهن بما سيحصل اذا لم يكن الحكم القضائي ملائماً للراديكاليين العدوانيين الذين بدأت مواقفهم بالظهور في مسائل لا تمت بصلة الى محاكمة خودوروفسكي. والحقيقة هي ان القرار الاتهامي في قضية يوكوس ذو طابع سياسي ومدبر بطريقة بيروقراطية ومشكل قانونياً بصورة استهزائية مهينة وعواقبه اكبر مما يبدو ظاهرياً. وهو يهدف الى حماية المسؤولين المشتركين بعملية اقتسام الشركة النفطية، وقد يعيق عملية ايقاف انهيار النظام القضائي. وفي ظل غياب القضاء الحقيقي يفقد الكلام عن إصلاحه أي معنى. * هيئة التحرير، عن «غازيتا. رو» الروسية، 29/12/2010، إعداد علي ماجد