هطول المطر في مدينة جده كان دوماً أشبه بالضيف النادر جداً قدومه، لذلك طالما شكل فرحة صاخبة عند السكان في كل مرة يأتي، فيستبشر السكان وتتوزع الابتسامات، وتنطلق الوفود إلى الشوارع احتفاء بالجمال والنقاء. غير أن تلك الفرحة وذلك الشعور الجميل تبدل تماماً، وتحول المطر مناسبة تجزع منها النفوس، ويكاد الخوف يطغى على ملامح السكان. وبين رسائل التحذير وحديث المجالس المليء بقصص الإنقاذ وعمليات الإخلاء، يتحول المشهد الربيعي إلى تراجيديا أخذت من عقول الجداويين نصيباً وافراً من الاهتمام والانشغال. وتسيل مع هذا الاهتمام أسئلة عامة أكثرها طرحاً وتدولاً على ألسنتهم هي: لماذا أصبح حجم الكارثة بهذا الشكل؟ وعلى من يقع اللوم؟ والأهم من ذلك هو إلى متى تعيش عروس البحر الأحمر صراع البقاء على اليابسة؟ وهي المدينة التي صنفت على أنها واحدة من أهم مدن العالم، ونموذج لخليط الثقافات ورافدة لأهم الصناعات عبر مينائها التجاري. ويصف أستاذ علم النفس محمد الغامدي غياب فرحة المطر في جدة بالطبيعية، مؤكداً أن هذا الشعور سيلازم سكان عروس البحر الأحمر طويلاً، خصوصاً وأن ذكريات المطر الأخيرة لم تجلب سوى المآسي والدموع وقصص الغرق والإنقاذ. ومن هنا يرى الغامدي أن المسؤولية مشتركة في ضرورة تغيير الصورة النمطية عن هطول المطر وإعادة الفرحة إلى قلوب اهالي جدة وتصحيح الوضع النفسي لديهم. أما الاختصاصي الجيولوجي علاء أبو الخير فقال إنه من غير المعقول أن يستمر تهديد السيول لسكان شرق مدينة جدة من دون البدء بمشاريع السدود التي أعلن عنها، مؤكداً ضرورة التأكد من المنازل التي تقع في بطون الأودية وعلى مقربة منها، ليتم إخلاؤها والحيلولة دون استمرار السكن فيها وتعويض أصحابها من قبل الجهات المعنية، لأنها منطقة مواجهة للسيول. وطالب أبو الخير بسرعة بناء السدود التي سبق الإعلان عنها من قبل هيئة المساحة الجيولوجية وإختصار القدر الممكن من الزمن حتى ينعم سكان تلك المواقع بعيشهم بعيداً عن القلق والخوف الذي يسيطر عليهم مع كل زخة مطر.