برازيليا - أ ف ب - تسلّمت ديلما روسيف، الاقتصادية والناشطة المتمردة السابقة التي اختبرت حياة السجون خلال سنوات الديكتاتورية، رئاسة البرازيل، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة هذا البلد خلفاً لراعيها السياسي الواسع الشعبية لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. وأدت روسيف القسم الدستوري السبت، امام النواب واعضاء مجلس الشيوخ ورؤساء دول وحكومات اجنبية، لتصبح بذلك رسمياً الرئيسة الأربعين، وأول امرأة تقود العملاق الجنوب أميركي الذي يضم 191 مليون نسمة. وقالت الرئيسة الجديدة في خطاب ألقته للمناسبة إن «النضال الأهم لحكومتي سيكون العمل على استئصال الفقر المدقع» الذي يطاول حوالى 18 مليون نسمة. واعتبرت الأمر بمثابة «التزام» لا بد ان يشارك فيه كل المجتمع البرازيلي. كما أوردت في اطار اولويات عملها ملفات التربية والصحة والأمن. وقالت: «بإمكاننا ان نكون بلداً اكثر تطوراً وعدلاً». وبدأت خطابها بتوجيه تحية الى الرئيس لولا دا سيلفا معربة عن اعتزازها بأن تكون المرأة الأولى التي تترأس هذا البلد. وعادت روسيف بالذاكرة الى ماضيها كناشطة شاركت في الكفاح ضد الديكتاتورية العسكرية (1964 - 1985) حيث سجنت لثلاث سنوات وتعرضت للتعذيب. وتابعت وقد اغرورقت عيناها بالدموع: «خصصت شبابي للكفاح من اجل قيام برازيل افضل وتحملت الكثير في ظروف كانت في غاية الصعوبة، الا انني لا أكن الضغينة لأحد». وأضافت: «الكثيرون من ابناء جيلي لم يعودوا معنا اليوم الا انني أتقاسم معهم هذه اللحظة». كما اكدت انها ستكون «متشددة جداً في حماية المصالح العامة وان الفساد سيحارب في شكل دائم». واستغرق خطابها نحو 40 دقيقة، وانتقلت بعدها الى القصر الرئاسي حيث سلمها الرئيس لولا الوشاح الرئاسي. وردّد البرلمانيون اسم «ديلما ديلما»، لدى وصولها في سيارة ال «رولز رويس» الرئاسية تحت المطر بمواكبة ست نساء من عناصر الأمن. وتوافد الآلاف من ابناء البرازيل من انحاء البلاد الى وسط العاصمة لحضور تنصيب ديلما روسيف. ومن هؤلاء المساعدة الاجتماعية ميريام فيليلا التي ارتدت قميصاً «تي شيرت» كتب عليه: «النساء قادرات على المزيد، نحن الاكثر عدداً، كلنا ديلما». ومع حوالى 30 من جيرانها استقلت ميريام الباص لمدة 12 ساعة للوصول الى برازيليا. وحضر حوالى 30 رئيس دولة اجنبية مراسم تنصيب روسيف (63 سنة). وحضرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون وأجرت على هامش المراسم محادثة ودية مع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، وذلك بعد بضعة ايام فقط من إلغاء الولاياتالمتحدة تأشيرة سفير فنزويلا في واشنطن رداً على رفض تشافيز اعتماد السفير الأميركي المعين في كراكاس لاري بالمر. وقال مسؤول برازيلي كان حاضراً: «لقد تحادثا مبتسمين لنحو خمس دقائق على الأقل. بدا الأمر محادثة اجتماعية كان كلاهما خلالها مبتسماً». وأكد تشافيز المحادثة في مقابلة مع التلفزيون الحكومي الفنزويلي. وقال تشافيز ان «السيدة كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية جاءت مبتسمة ومرتاحة وكذلك كنت شخصياً. تبادلنا التهاني وتحدثنا عن بضعة أمور». وأضاف: «كانت لحظات لطيفة وانتهزنا الفرصة لنتحدث عن أمرين أو ثلاثة أمور». وكان تشافيز وكلينتون يقفان مع رئيسي تشيلي سيباستيان بينيرا وكولومبيا خوان مانويل سانتوس ورئيس حكومة البرتغال جوزيه سوكراتيس بانتظار مقابلة روسيف. وبادر الرئيس الفنزويلي بمد يده لمصافحة كلينتون التي صافحته. وقد تحدثا بضع دقائق قبل ان يتوجها لتهنئة روسيف رسمياً. وتوجهت كلينتون لتهنئة الرئيسة البرازيلية الجديدة والتقاط الصور معها، وكان الى جانبها مباشرة تشافيز الذي انتظر دوره لمصافحة روسيف والتقاط الصور معها، وذلك بحسب صور بثتها كاميرات القصر الرئاسي. كما حضر المراسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرجل الثاني في الحكومة الفرنسية وزير الدفاع آلان جوبيه وولي عهد اسبانيا امير استورياس فيليب دي بوربون. وخلفت ديلما روسيف النقابي وعامل المعادن السابق لولا دا سيلفا (65 سنة) الذي حظي بشعبية قياسية وصلت الى 87 في المئة بعد ثمانية اعوام في السلطة. الا ان لولا الذي يمنعه الدستور من الترشح لولاية رئاسة ثالثة لم يستبعد الترشح مرة اخرى في الانتخابات الرئاسية لعام 2014. وترث روسيف بلداً في أوج انتعاشه الاقتصادي مع نسبة نمو بلغت 7,6 في المئة هذا العام وأدنى معدل للبطالة في تاريخه (5,7 في المئة)، الا انه لا يزال من اكثر بلدان العالم تفاوتاً في مستوى المعيشة. وسبق ان حددت روسيف عندما كانت وزيرة في حكومة لولا اولويتها وهي «اجتثاث الفقر» الذي لا يزال يعاني منه 18 مليون شخص. وفي إطار الاستمرارية، احتفظت روسيف ب11 من وزراء لولا بينهم وزراء في مناصب رئيسة مثل المال والدفاع. الا انها أظهرت اختلافها بضم اكبر عدد من النساء في الحكومة في تاريخ البرازيل. ودعت من أطلق عليها النظام العسكري (1964 - 1985) «جان دارك التخريب» 11 من رفاقها السابقين في السجن لحضور الاحتفال. وكانت الرئيسة الجديدة اعترفت العام الماضي بأنها خضعت لعلاج من السرطان ما عزز التعاطف معها. ويرى الأطباء حالياً أنها شفيت تماماً. ولا تزال التحديات كثيرة أمام روسيف مع البطء الواضح في قطاعي الصحة والتعليم كما سيتعين عليها مكافحة الفساد وإصلاح النظام الضريبي والتقاعدي والنظام السياسي. وسيكون أيضاً على الرئيسة الجديدة توفير التمويل للاستثمارات الضخمة المقررة في السنوات المقبلة لاستقبال بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2014 ودورة الألعاب الأولمبية لعام 2016.