غطى الشاب سيمون حافلته الصغيرة التي تنقل الركاب بين أحياء مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان بملصق كبير ليد مبسوطة تحتها كلمة انفصال باللغة الانكليزية. ويقول بابتسامة عريضة، وهو يشير إلى الشعار نفسه على قميص قطني يرتديه: «اعرف أن الوقت يقترب، لكنني لا استطيع الانتظار». واليد المبسوطة هي شعار الانفصال في بطاقات التصويت في استفتاء تقرير مصير الجنوب المقرر الأحد المقبل. وهي تكاد تكسو كل شيء في جوبا، من الميادين والبنايات والجدران ووسائل النقل على اختلافها، إلى القمصان التي تنتشر بكثافة حاملة دعوات إلى التصويت للانفصال و»اختيار الكرامة»، فيما تختفي تماماً أي ملصقات مؤيدة للوحدة. وتحتل لافتة عملاقة الميدان المؤدي إلى طريق الوزارات في وسط جوبا، يعلوها شعار اليد المبسوطة وعدد الأيام الباقية على «الانفصال»، مع عبارة تحض على التصويت ل «الحرية والتنمية». وعلى بعد أقل من كيلومتر منها، نُصبت ساعة ضخمة للعد العكسي تحسب الوقت المتبقي على الاستفتاء بالأيام والساعات والدقائق. وعلى مدار الساعة، تبث القناة التلفزيونية المحلية الوحيدة «اس. اس. تي. في» بين برامجها صوراً أرشيفية للمعارك التي خاضها «الجيش الشعبي» ضد الشمال والفصائل المسلحة الموالية له إبان الحرب الأهلية في مراحلها المختلفة، على وقع أناشيد وأغنيات حماسية. في المقابل، لا يُلاحظ أي وجود لمؤيدي الوحدة، سوى في لافتتين صغيرتين ل «حزب المؤتمر الوطني» الشمالي الحاكم تواريتا في ميدان الوزارات بين اللافتات الكثيرة المؤيدة ل «الحركة الشعبية لتحرير السودان» والداعمة للانفصال، إحداهما لتهنئة الجنوبيين بأعياد الميلاد والأخرى للتهنئة بالذكرى الخامسة والستين لاستقلال السودان التي تجاهلها الجنوبيون. وخلافاً للصورة في شمال السودان، غابت عن الجنوب مظاهر الاحتفالات بذكرى استقلال البلاد خلال اليومين الماضيين. ويقول ماجوك دوت، وهو مدرس خمسيني كان يجلس مع مجموعة من رفاقه في أحد مقاهي حي ملكالجنوب شرقي جوبا: «عيد الاستقلال هذا ليس لنا... استقلالنا الحقيقي الأحد المقبل»، في إشارة إلى موعد الاستفتاء. ويضيف: «الوحدة أخذت فرصتها أكثر من خمسين سنة. نريد الحرية... اتركونا نبني دولتنا بسلام. نحن نريد الانفصال، لكننا لا نريد العودة إلى الحرب». ومنذ توقيع اتفاق السلام بين شمال السودان وجنوبه العام 2005، تراجعت في شكل لافت أعداد الجنوبيين الموالين ل «المؤتمر الوطني» الذين كانت غالبيتهم من المقاتلين المنضويين في تشكيلات عسكرية اصطفت مع الشمال إبان الحرب، إذ تقلص اهتمام حكومة الخرطوم بهم بعد توقف المواجهة المسلحة، كما استقطبت «الحركة الشعبية» معظمهم، سواء عبر دمجهم في مؤسسات حكومة الجنوب أو «الجيش الشعبي». ويقول فيليب غاي (25 عاماً) وهو يغادر «أبرشية جوبا للكاثوليك» بعد قداس أقيم لمناسبة العام الجديد: «انظر حولك. لا يوجد أصدقاء للوحدة هنا... البقاء مع الشمال يعني اننا سنبقى مواطنين من الدرجة الثالثة». ويضيف بإنكليزية سليمة ولكنة أفريقية ثقيلة: «نريد حريتنا التي حارب اباؤنا من أجلها وخسرنا 2.5 مليون شهيد».