«تذكرة حرية» هو الصك الرسمي القديم الذي تحصل بمقتضاه المرأة على حريتها، التذكرة أو (الصك) كانت تصدر من قلم عتق الرقيق، ويجري تحريرها لاعتماد المرأة «حرة» كسائر الأحرار. و«تذكرة حرية» هو اسم المعرض الفني الذي استوحت منه الفنانة عزة أبو السعود لوحاتها التي تستضيفها كبرى قاعات قصر الإبداع في الإسكندرية. قدمت عزة أبو السعود 42 عملاً فنياً تراوحت ما بين التصوير والرسم الحر إلى طباعة «لينو» بارز وغائر. كما قدمت، للمرة الأولى، الطباعة على لوحة تصوير مرسومة مسبقاً، مستخدمة مختلف الخامات والتقنيات التصويرية. واستطاعت عزة عبر خبرتها الكبيرة في عالم الألوان الاستمرار في إغناء مسلكها التعبيري وصيغها الفنية المتطورة، إذ قدمت تجربة إبداعية مختلفة، ابتعدت فيها اللوحة عن السرد التشخيصي، وتوغلت في عالم التجريد البصري والتأليف الذهني، فتحولت الأفكار والكائنات إلى مفردات مكثفة، تختزن في بيئتها المشاهد البصرية والمفاهيم الروحية. اللافت في معرض أبو السعود القوة اللونية الواضحة للأسود وسيادته وتأثيره على بقية الألوان. ولا تخلو لوحة من إطلالة أنثوية حافلة بالنقوش والتداعيات الزخرفية. ونطالع كلمة «تذكرة الحرية” تأكيداً على ما تنشده أبو السعود من حلم الحرية. تقول أبو السعود: «جاءتني فكرة المعرض عندما وجدت صكاً قديماً يحرر امرأة ما من براثن العبودية. فقديماً كانت السيدة تستعبد، وكانت لتحصل على حريتها لا بد من أن تأخذ تذكرة للحرية وتسجل أوصافها الجسدية فيها وسيدها وبلدها. وكانت هذه الوثيقة هي المسؤولة عن حرية المرأة. وأنا أبحث من خلال المعرض عن آلاف التذاكر. تذاكر الحرية التي تقود إلى تحرر النفس والفكر والضمير، وتحرر الإنسان من الرواسب التي تكبله. فقد وضعنا أنفسنا تحت طائلة أشياء كثيرة استعبدتنا برغبتنا... حتى أصبحنا عبيداً للمال وللسلطة والجاه والمظاهر، وأسرتنا الحياة وصراعها، فتخيلت أنه يمكنني أن أصمم تذكرة للحرية تحمل في مضمونها وثيقة للتحرر من كل الأشياء». وتضيف: «في العمل الفني وأمام سطح اللوحة يمارس الفنان حريته المطلقة من دون أي تذاكر، فله حرية اختيار السطح واللون والأداة وطريقة التعبير والتشكيل وله حرية الخوض في الشكل... وأيضاً أن يحذف ويضيف في منظومة شديدة الخصوصية. فقواعد الأصالة تفرض عليه التفرد والصدق والأمانة في توصيل رسالته البصرية التي كثيراً ما تحوي مضامين هي أعلى كثيراً من أكثر الأصوات صراخاً وضجيجاً. اتجاهي تجريدي، فأنا لا أعترف بالواقعية، فالواقعية هي الواقع الذي نراه ونحياه. وما دمنا نقلنا الواقع للوحة فقد تخلى عن شكله الواقعي لأننا نكون وضعنا فيه جزءاً من مشاعرنا وروحنا وذائقتنا. لكل لوحة من لوحاتي حكاية، فأنا لا أرسم أو أصمم للفن فقط أو عشوائياً، وإنما كل خط بالقلم، وكل ضربة لون بالفرشاة لا بد من أن يكون لها معنى واضح، فالتجريد الذي أقدمه تجريد مفهوم، وله معان أكيدة من وجهة نظري. ولكي تقترب من لوحتي يجب أن تستشعر وجهة نظري بوضوح في كل أعمالي مع اختلاف الأدائيات التي أقدمها». وعن لوحاتها التي لا تخلو من المرأة، تقول: «قدمت المرأة في الكثير من اللوحات واعتبرتها النواة الحقيقية للحرية ونقطة البداية للحرية من كل القيود التي تكبلنا في العصر المتصارع الذي نحياه. كما أن المرأة لديها صفات مثالية غريبة جداً عندي، فهي شديدة الاستطالة وخطوطها ناعمة جداً وعضوية ولها كبرياء وكرامة وشموخ واضح في درجاتها اللونية». أبو السعود أستاذة في كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية، ولها كثير من المعارض في مصر وخارجها، وحصدت الكثير من الجوائز والتكريمات العربية والدولية، ولها الكثير من الأعمال في متاحف العالم.