في الوقت الذي تختفي الابتسامة الترحيبية من على وجه معظم موظفي الاستقبال في المستشفيات الخاصة في السعودية، بمجرد إبراز المراجع لبطاقة التأمين الصحي، تعتبر ذات البطاقة في أوروبا جواز مرور تخول لحاملها الاستفادة من جميع الخدمات الطبية من دون قيد أو شرط. ليس ذلك فقط، تركز مستشفيات خاصة عدة في المملكة اهتمامها على أصحاب «الكاش» من المراجعين والمرضى الذين يسددون قيمة الخدمات الطبية نقداً، في مقابل وضع عدد من العراقيل أمام المراجعين المؤمن عليهم طبياً، حرصاً على صرف أقل عدد من الأدوية، ومطالبتهم بموافقة شركة التأمين في حال الحاجة إلى تحاليل طبية وأشعة أو غيرها من الخدمات التي تتعدى فحص طبيب ووصفة طبية. في المقابل، تتخوف المستشفيات الأوروبية من المراجعين غير المؤمن عنهم، بينما تمكن حامل بطاقة التأمين الطبي من جميع الخدمات التي قد يحتاج إليها، وإن استدعى الأمر عمليات جراحية بالغة الكلفة، ولا يتم طلب موافقة شركة التأمين إلا في العمليات التجميلية. وعلى رغم الارتفاع الواضح لأسعار التأمين الطبي في معظم دول أوروبا مقارنة بالسعودية، إذ تصل كلفتها في بعض الدول كهولندا إلى نحو 700 ريال شهرياً، إلا أن جميع دول الاتحاد الأوروبي تؤكد تشبثها بأحقية الجميع في العلاج، وتتحمل أقساط التأمين الطبي للخدمات الأساسية بالنسبة للعاطلين أو العاجزين عن العمل. وفي بلجيكا، اعتبر مسؤول المبيعات في إحدى شركات التأمين فان ديرك، أنه على رغم ارتفاع أسعار بعض بوليصات التأمين في بلجيكا، إلا أنها تظل أسعاراً منخفضة بالنظر إلى حجم استفادة المؤمن عليهم، وقال ديرك في حديث إلى «الحياة»: «كل من يقيم على الأراضي البلجيكية ملزم بالانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي، الذي يعتبر أيضاً ضماناً صحياً، إذ يمكن لجميع المنخرطين في الضمان الاجتماعي الاستفادة من جميع الخدمات الطبية الأساسية». وعن كلفة الانخراط، أشار ديرك إلى أنها تختلف من شخص لآخر، فبينما تتحمل جهة عمل المنخرط رسوم الاشتراك كاملة، تحمل بعض الشركات والقطاعات موظفيها جزءاً من قيمة الاشتراك، بينما تتحمل شؤون الرعاية الاجتماعية الكلفة بالنسبة للبعض، إضافة إلى وجود عدد من المنخرطين الذين يقومون بالتسجيل والاشتراك في الضمان الاجتماعي بشكل مباشر كأصحاب الأعمال الحرة، إلا أن الجميع ملزم بذلك. وعن تأثير الضمان الاجتماعي وما يتيحه للمنخرطين فيه من خدمات طبية مهمة، على الإقبال على شركات التأمين الطبي في بلجيكا، ولا سيما أن بإمكان المرء الاستفادة من جميع الخدمات الطبية الأساسية في مقابل نحو 50 ريالاً شهرياً، مع تمكينه من ضم الأطفال والزوجة بسعر رمزي، قال: «بالنسبة للضمان الاجتماعي يتوجب على المرء سداد قيمة الفحص الطبي والأدوية، ويستعيدها بعد نحو أسبوع بعد تحميله نحو 5 في المئة من قيمتها، ولا توفر له إلا الخدمات الأساسية فقط، بينما توفر شركات التأمين لعملائها خدمات إضافية، بعضها يتعلق بالخصوصية كالتنويم في غرفة منفردة، وتغطي أيضاً النقاهة في بعض المستشفيات الفندقية». وأضاف: «ليس ذلك فقط، بل إن أقل بوليصة تأمين في بلجيكا يمكن لصاحبها الاستفادة من عمليات يصفها البعض بالتجميلية، إلا أن لها ارتباط صحي، كعمليات ربط المعدة وشفط الدهون، أو تقويم الأنف مثلاً وعمليات التجميل بعد الحوادث». وبحسب ديرك أيضاً فإن جميع أنواع التأمين الطبي في بلجيكا تغطي المتابعة الصحية للمريض في المنزل إذا استدعت حالته ذلك، مشيراً إلى أن الضمان الاجتماعي الإلزامي أيضاً يعوض المؤمن عن دخله الشهري في حال إصابته بمرض أعاقه عن العمل، وأكد ديرك في نهاية حديثه إلى «الحياة» عدم اشتراط شركات التأمين للموافقة المسبقة قبل تمتيع المؤمن عنهم بأي من الخدمات الطبية مهما بلغت كلفتها. وقال: «حتى بالنسبة للأمور التجميلية، ففي الغالب يكون واضحاً بالنسبة للمستشفى ما إذا كانت نوعية التأمين تغطي الأمر أم لا، إلا أنه في حالات نادرة تشترط بعض شركات التأمين شرح المستشفى مدى حاجة المؤمن عليه إلى جراحة التجميل». وعلى رغم الفارق الكبير أيضاً في مستوى المعيشة والدخل الشهري للأفراد بين المملكة ومعظم دول أوروبا الغربية، إلا أن الخدمات الطبية في السعودية تعتبر مكلفة للغاية مقارنة بأسعار الخدمات نفسها في معظم دول أوروبا، إذ إنه في الوقت الذي لا يتعدى دخل شريحة مهمة من المقيمين والمواطنين في السعودية ألفي ريال، مع وجود أنظمة تجبر غير السعوديين على الاستفادة من الخدمات الطبية الخاصة، إلا أن قيمة الفحص لدى الطبيب المختص في السعودية تتراوح بين 150 و200 ريال في المستوصفات والمستشفيات الصغرى، بينما تستمر في الارتفاع في المستشفيات الخاصة الكبرى. وفي المقابل، تتراوح قيمة الفحص الطبي في معظم المستشفيات في بلجيكا على سبيل المثال بين 100 إلى 150 ريالاً، على رغم وجود حد أدنى للأجور يتجاوز ستة آلاف ريال شهرياً، ومع ذلك تعتبر الحكومة البلجيكية أن الجميع يحق له التمتع بحق العناية الصحية بأثمان مناسبة، ويشدد الجميع على عدم إقصاء من يحتاج إلى العلاج لفترة طويلة مهما كان ذلك مكلفاً، إذ من شعارات الضمان الاجتماعي في بلجيكا ان الاستفادة من الخدمات الطبية المتطورة والمستشفيات الكبرى لا يعد ترفاً، ولا وجود لقوائم انتظار.