اقيمت في كنائس لبنان قداديس على نية السلام لمناسبة بداية العام الجديد، وترأس البطريرك الماروني نصر الله صفير قداساً في بكركي، عاونه فيه النائب البطريركي العام المطران رولان ابو جودة، والنائب البطريركي المطران سمير مظلوم، وامين سر البطريرك الخوري ميشال عويط، والقيم البطريركي العام الخوري جوزف البواري. وتلا صفير بعد الصلاة، رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر لمناسبة يوم السلام العالمي لسنة 2011 بعنوان «الحرية الدينية، طريق السلام»، تضمنت «أماني سلام»، ولفتت الى «ان السنة التي انتهت تميّزت، لسوء الطالع، بالاضطهاد والتمييز العنصري، وبأعمال العنف المخيفة، وعدم التسامح الديني». وتوقف البابا في رسالته عند «أرض العراق العزيزة، التي، وهي في مسيرتها نحو الاستقرار والمصالحة اللتين طال انتظارهما، لا تزال مسرحاً للعنف والاعتداءات. ونستذكر الآلام الحديثة التي قاستها الطائفة المسيحية، وخصوصاً الهجوم الجبان في 31 تشرين الثاني (نوفمبر) على الكاتدرائية السريانية الكاثوليكية، كاتدرائية سيّدة النجاة الدائمة في بغداد، الذي قُتل فيها كاهنان وأكثر من خمسين مؤمناً، فيما كانوا مجتمعين للاحتفال بالقداس الألهي. وكانت هناك هجمات أخرى في الأيام التالية، استهدفت منازل خاصة، فأثارت المخاوف في قلب الطائفة المسيحية والرغبة لدى الكثيرين من أعضائها في السفر بغية البحث عن شروط حياة فضلى. أني أؤكد لهم قربي منهم وقرب الكنيسة جمعاء. وصار التعبير عن هذه العاطفة اخيراً بطريقة حسية لدى اجتماع جمعية مجمع الأساقفة الخاصة بالشرق الأوسط. ووجهت هذه الجمعية تشجيعاً للجماعات الكاثوليكية في العراق وفي كل الشرق الأوسط لتعيش المشاركة ومتابعة تقديم شهادة ايمان شجاعة في تلك المناطق». وشكر «الحكومات التي تبذل جهدها للتخفيف من آلام هؤلاء الأخوة في البشرية»، داعياً «الكاثوليك الى الصلاة لأخوتهم في الإيمان الذين يعانون العنف وعدم التسامح، والى التعبير لهم عن تضامنهم». ورأى البابا في رسالته ان «المسيحيين اليوم هم الفئة الدينية التي تعاني من الاضطهاد على أنواعه، بسبب أيمانهم. كثيرون من بينهم تطاولهم اهانات يومية ويعيشون غالباً في خوف من جراء بحثهم عن الحقيقة، وعن ايمانهم بيسوع المسيح ودعوتهم الصادقة وعن دعائهم الصادق للاعتراف بالحرية الدينية. وكل هذا لا يمكن قبوله، لأنه يشكّل اهانة لله، وللكرامة الانسانية وفوق ذلك انه يشكل تهديداً للأمن والسلام، او يحول دون تحقيق تطور انساني متكامل». واعتبر «ان انكار الحرية الدينية بطريقة تعسفية، او الحدّ منها، يعني تنمية رؤية تحجّم الشخص البشري، ووضع دور الدين العام في الظلمة أو الحدّ منه يعني خلق مجتمع غير عادل، لأنه لا يكون منسجماً مع طبيعة الانسان الحقيقية. وهذا يعني استحالة تأكيد سلام حقيقي، مكرّس لموضوع: حرية دينية، طريق الى السلام. اني أحضّ الرجال والنساء من ذوي الارادة الطيبة على تجديد التزامهم بناء عالم يكون فيه الجميع أحراراً في ممارسة دينهم أو ايمانهم، ويعيشون محبتهم لله من كل قلوبهم، ونفوسهم، وفكرهم». المطران مطر ورأى رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر في عظته بعد ترؤسه قداس رأس السنة في كنيسة سيدة الوردية، انه «إذا نظرنا من حولنا، سواء في لبنان أم في الأرض المقدسة أم في مجمل دول الشرق الأوسط، نرى جماعات وأفراداً يئنون تحت نير المظالم على أنواعها وهم ينشدون العدالة لإحقاق حقوقهم، فيما العدالة تصاب بأثرة الأقوياء وعمى المصالح التي يتمسك بها أصحابها أكثر مما يتمسكون بمحبة الله ونصرة الضعيف وقيم الأخوة الشاملة». وأضاف: «في بلادنا العزيزة نحيا مأساة عدم تفاهم في ما بيننا أخذت من أعمارنا ما يقارب الأربعين عاماً، وكلفتنا من الدموع والدماء ما يكفي ويزيد لكي نخرج من المحنة وقد تطهرنا، وإن عيد السلام في هذا اليوم المبارك يحملنا على القيام بالخطوات التي من شأنها تثبيت هذا السلام في بلادنا، إذا حركت ضمائرنا إلهامات العلاء. فنعتبر أن طوائفنا تكمل بعضها بعضاً لتصنع كلها جسم لبنان الواحد وروحه. وبدلاً من أن نحاذر بعضنا بعضاً فيسعى كل منا إلى تدبير أموره بنفسه وبمعزل عن الآخرين، نتخذ بالأحرى القرار الجريء باعتبار حقوق الآخرين عندنا مقدسة مثل حقوقنا، لا بل يدافع بعضنا عن بعض ونقوي فينا هذه الأنا الجماعية التي تضمن الكيان في وحدته وتنوعه على السواء». وتابع قائلاً: «قلنا بعد اتفاق الطائف «عفا الله عما مضى»، لكن هذا الموقف كان قانونياً أكثر مما كان وجدانياً، بينما الغفران الوجداني كان هو المطلوب. وبعد السنوات التي تلت، والتي لم نثبت فيها مصالحة وطنية حقة، عدنا إلى المزالق وبتنا نخشى من جديد تضييع الجهود التي أخرجتنا من الأيام السود. فهلا سلكنا مرة أخيرة ونهائية طريق العدالة والغفران وصولاً بنا إلى نعمة السلام؟ وهل لنا من خيار آخر أو من طريق آخر يؤدي بنا إلى الخلاص الوطني المنشود؟». وقال: «مع اعترافنا بأن للدول مصالح عندنا وعند غيرنا لأنها ليست جمعيات خيرية بل هي كيانات تسعى للسيطرة حفاظاً على مصالحها، فإن الضمير البشري الذي لا يخبو ولا يموت يعتبر وطننا منطلقاً من منطلقات السلام العالمي بفضل حوار الأديان فيه والعيش المشترك بين أبنائه، مسيحيين ومسلمين. لهذا فإن العالم يتمسك بلبنان الواحد لا من أجل لبنان وحده بل من أجل مستقبل الإنسانية بأسرها وبالتالي من أجل مستقبل الشرق الأوسط ونحن نتألم لكون السلام لم يجد طريقه بعد إلى منطقتنا، لكننا نرجوه من كل قلوبنا ونصلي من أجله اليوم كما نصلي من أجله كل يوم إلى أن يجيء». المطران عودة وأمل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده بعد القداس الذي ترأسه في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة، أن تكون السنة الجديدة «سنة خير واستقرار بإرسال الأمطار في أوقاتها، وانتظام الرياح واعتدال الفصول ووفرة غلال الأرض، وأن يوطد روح السلام في العالم أجمع وأن يثبّت ويؤيّد كنيسته المقدسة، مبعداً عنها كل خلل وتشوّش، وحافظاً إياها من الأعداء المنظورين وغير المنظورين». وانتقد «السهرات التي قد تكون مؤذية للنفس والجسد»، وتوقف عند «الآفة الكبرى إن لم أقل المعصية التي يرتكبها بعضهم في مثل هذه السهرات هي المخدرات، إذ لا يتورع بعضهم عن استعمالها إما للتجربة وإما بسبب الإدمان. واصبحت المخدرات في عصرنا وفي بلدنا آفةً تضرب الصغار كما الكبار، واصبحنا نسمع عن تفشيها بين تلامذة المدارس إضافة إلى طلاب الجامعات وغيرهم. وإن لم نتحرك جميعنا، وبسرعة، الدولة والجمعيات الأهلية والدينية والناس الغيارى على صحة الإنسان الجسدية والنفسية وكل إنسان يعي هذا الخطر، لفتكت هذه الآفة بأجيالنا وألحقت الضرر بمجتمعنا، الذي لا تنقصه المخدرات ليعاني أكثر مما يعاني». وشدد على ان «التصدي لهذه المشكلة ومكافحتها واجبٌ على كل مسؤول وكل عائلة وكل فرد، والمساعدة لا تكون بالإدانة بل بالتفهم والمرافقة والرعاية ومعالجة المسببات». ونبه المطران عودة الى ان «الحياة مليئة بالتجارب، والتجارب قد تكون محطات تقوّي عزيمة بعض وتدفعه إلى الأمام، كما قد تكون سبباً لليأس والضياع. فلا تسمحوا لأية تجربة، مهما كانت عظيمة، أن تغلبكم».