بعيداً من الخلاف الأميركي - الإسرائيلي حول قضية المستوطنات، عثر الاسرائيليون على قنبلة قادرة على تفجير التسوية التي تندفع ادارة باراك اوباما لتحقيقها. من الخطأ الاستخفاف بإصرار حكومة نتانياهو - ليبرمان على ربط أي تقدم في عملية السلام بموافقة الفلسطينيين على هوية اسرائيل ك «دولة يهودية». هناك أولاً معلومات ديبلوماسية ان هذا الشرط الاسرائيلي لا يلقى ممانعة واسعة بين الحكومات الأوروبية وحتى داخل إدارة اوباما. بل على العكس، يبدو ان هناك «تفهماً» لهذا الشرط الاسرائيلي على انه من باب تحصيل الحاصل. كما أن هناك تصريحات، وصفت بأنها «زلات لسان»، من الرئيس الاميركي نفسه ومن مبعوثه الى المنطقة السناتور جورج ميتشل تشير الى اسرائيل باعتبارها «دولة يهودية». وللاطلاع على موقف اكثر تفصيلاً لأوباما من هذا الموضوع، يمكن العودة الى خطاب ألقاه في ولاية ايوا خلال الحملة الانتخابية (في 24/12/2007) قال فيه: «اعتقد بأن كل شخص يدرك ما يجب ان تكون عليه أسس الحل بين اسرائيل والفلسطينيين. على الفلسطينيين أن يفهموا حق العودة بشكل يحافظ على اسرائيل كدولة يهودية. ويمكن أن يشمل هذا دفع تعويضات من قبل الاسرائيليين وتقديم تنازلات اخرى، لكن اسرائيل لا يجب ان تتخلى في النهاية عن هويتها كدولة يهودية»... هل تراجع اوباما عن هذا الموقف ام ان حق العودة لم يعد عقبة امام التسوية؟ اشتراط اسرائيل الاعتراف بكونها «دولة يهودية» ليس فقط شرطاً لا يستطيع اي فريق فلسطيني، مهما بلغ «اعتداله» ان يقبل به، بل من شأنه ان يعيد كتابة تاريخ الصراع، بحيث يصبح عام 1948 نهاية هذا الصراع لا بدايته، بمعنى انه يكون العام الذي «استعادت» فيه اسرائيل الأرض المستحقة لليهود. وبحسب هذه الرؤية الاسرائيلية يكون الفلسطينيون عام 1948«قد تحولوا الى صهاينة»، كما كتب الباحث الفلسطيني احمد سميح الخالدي في مقال قبل ايام في صحيفة «الغارديان» البريطانية. كما يكونون قد اعترفوا كذلك بأن الأرض الفلسطينية كانت دائماً ارضاً لليهود، وان ما حصل في ذلك العام الأليم كان بمثابة «تصحيح» للتشتت اليهودي حول العالم. لم تعد المسألة اذن تتعلق بموقف حركتي «فتح» او «حماس» من التسوية مع اسرائيل، وأيهما المتشدد وايهما المعتدل. المسألة الآن ان عقدة الذنب اليهودية، وهي فعلاً كذلك، يسعى قادة اسرائيل الى غسلها عن طريق مطالبة الفلسطينيين بالموافقة على محو تاريخهم. ذلك انه حتى حركة «حماس» باتت تعترف، وإن ضمناً وبشكل يخضع للاثمان السياسية، بأن اسرائيل في حدود عام 1948 دولة قابلة للاعتراف بها، إذا وافقت على شروط السلام التي يطالب بها المجتمع الدولي. ف «حماس» تدرك ان شعار زوال اسرائيل من حدود 1948 تجاوزه الواقع، كما أن الحركة الاسلامية ليست من انصار الحل الآخر الذي كان يرتفع ذات يوم، ويدعو الى قيام دولة تضم اليهود والمسلمين والمسيحيين في اطار المساواة في المواطنة. طرح «يهودية الدولة» من قبل الاسرائيليين في هذا الوقت، بينما تبدو نوايا جدية من كل الاطراف مع الادارة الاميركية الجديدة للوصول الى حل، سيكون أهم عقبة امام هذا الحل. فالقبول بهذا الطرح يعني مباشرة شطب حق عودة اللاجئين، ومن الذي سيستطيع من العرب او الفلسطينيين الموافقة على ذلك؟ لقد اختارت حكومة نتانياهو شرطاً لتعطيل السلام هو الأكثر قبولاً على الصعيد الدولي. المطالب الدولية الأخرى، مثل تجميد الاستيطان والانسحاب من الأرض المحتلة ووقف الاعتداءات على الفلسطينيين، كلها مطالب لا تستطيع اسرائيل الوقوف في وجهها امام الضغوط الدولية. لذلك وضعت الشرط الأكثر قدرة على تعطيل الحل، أي المطالبة بالاعتراف بهويتها اليهودية، من دون أن تكون هناك قدرة او رغبة دولية حقيقية في مواجهة هذا الشرط. بل على العكس هناك موقف دولي يتراوح بين التفهم والقبول، وهو ما يجب على الفلسطينيين والعرب أخذه في الاعتبار في مفاوضاتهم مع الجانب الاميركي... إلا اذا كان هذا تنازلاً آخر ينوون تقديمه.