اعتمدت القاهرة سياسة ربط دول حوض النيل معها بمصالح اقتصادية من أجل ضمان عدم الإخلال بحصتها من المياه وتجنب خضوع هذه الدول لتأثير من قوى خارجية، خصوصاً إسرائيل، للضغط عليها من أجل «مناكفة» مصر بخصوص حصتها من مياه النهر. وبدت هذه السياسة المصرية جلية عبر عدد من الاتفاقات والمشاريع المشتركة التي أقرت أخيراً بين بعض هذه الدول ومصر. وقال مسؤول مصري ل «الحياة» إن مسؤولين من دول حوض النيل اشتكوا من «تعامل مصر مع دولهم من منطلق المصالح المائية فقط، وأكدوا أن أسواق هذه الدول لا تزال بكراً، ويمكن لمصر أن تتقدم لملء الفراغ فيها». ودعا وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط شركات بلاده إلى التوجه جنوباً للاستثمار في افريقيا. وأشار في حديثه عن السياسة الخارجية المصرية خلال مؤتمر الحزب الوطني الحاكم - الذي اختتم الأسبوع الماضي - إلى أن بعض الشركات المصرية نافست وتقدمت على الشركات الصينية في افريقيا، لكنه اشتكى من محدودية الاستثمار المصري في هذه الدول. وتساءل: «هناك شركات تعمل، لكن أين البقية؟»، مؤكداً أن الاستثمار في هذه الأسواق الناشئة مربح ويحقق مصالح سياسية للدولة المصرية، موضحاً أن مصر تسعى إلى تعميق العلاقات الاقتصادية مع دول حوض النيل من خلال اتفاقية السوق المشتركة لشرق أفريقيا وجنوبها (الكوميسا). وكانت دول منابع النيل السبع (بوروندي، رواندا، الكونغو، كينيا، تنزانيا، أوغندا وإثيوبيا) اتخذت خلال اجتماع عقد في منتجع شرم الشيخ المصري في نيسان (أبريل) الماضي موقفاً رفضته مصر والسودان بالتوقيع على الإطار القانوني لمبادرة حوض النيل بدءاً من الرابع عشر من أيار (مايو) الماضي، مع اكتمال التوقيع في مدة لا تزيد على سنة، لتنشأ بعد ذلك مفوضية حوض النيل أياً كان موقف مصر والسودان. وجاء القرار على خلفية تمسك مصر والسودان بضرورة النص على احترام الاتفاقات التاريخية والتصويت على القرارات بالإجماع وليس بالغالبية والإخطار المسبق عن المشاريع المائية المقامة على مجرى النهر، ما رفضته دول المنبع على اعتبار أن الاتفاقات السابقة لتوزيع حصص المياه وُقعت في عهود الاستعمار. كما أراد بعض دول المنبع أن يكون اتخاذ القرارات بالغالبية، ورفضت دول أخرى البند الخاص بالإخطار المسبق عن المشاريع المائية على مجرى النهر. ووقعت إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا الاتفاق. وشهد الأسبوع الماضي نشاطاً مصرياً مكثفاً في اتجاه تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول حوض النيل، إذ التقى أمس وزير الكهرباء والطاقة المصري الدكتور حسن يونس نظيره البوروندي مويز بوكومي لبحث سبل دعم مشاريع التعاون المشترك بين البلدين في مجال الكهرباء. واتفق على مساعدة مصر في الإعداد لدراسة فنية واقتصادية لإنشاء مشروع محطة كهرومائية لإنتاج الكهرباء في منطقة كيراسا في بوروندي، وهو مشروع قومي استراتيجي في دولة - مثل بوروندي - لا يتمتع فيها سوى 2 في المئة فقط من السكان بالكهرباء. وتعتزم مصر إرسال خبراء في مجال الكهرباء إلى بوروندي لتحديد معوقات التنمية في هذا القطاع ومدى إمكانية تذليلها. وحظيت زيارة نائب رئيس كينيا كالونز وماسيوكا الحالية إلى مصر باستثناء خاص. وأكد له الرئيس حسني مبارك أنه حريص على تعزيز ودعم العلاقات بين البلدين. وطلب المسؤول الكيني الاستفادة من الخبرات المصرية في مجالات الزراعة والري والنظافة وتوليد الكهرباء وزيادة الواردات المصرية إلى بلاده، مشيراً إلى أن عضوية مصر وكينيا في تجمع الكوميسا يتيح زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. وتصدّر وزير التجارة والصناعة المصري المهندس رشيد محمد رشيد واجهة مشهد العلاقات مع دول حوض النيل، ما يعكس رغبة مصر في جعل العلاقات الاقتصادية مدخلاً لحل الخلافات السياسية. فبحث مع المسؤولين الكينيين في سبل زيادة الاستثمارات المشتركة والتجارة البينية في المرحلة المقبلة. واتفق رشيد مع نظيره الكيني على ضرورة مواجهة التحديات التي تعوق زيادة التجارة البينية وأهمها النقل عبر درس إنشاء خطوط نقل مناسبة لاستيعاب حركة التجارة بين البلدين. واتفق البلدان على إنشاء «غرفة تجارية مصرية - كينية مشتركة» تتولى التنسيق بين رجال الأعمال في الجانبين وتوفير المعلومات اللازمة لهما من أجل التعرف على الفرص المتاحة لزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري خلال المرحلة المقبلة، وهو اتفاق أثمره عقد منتدى الأعمال المصري الكيني. كما تعتزم مصر إقامة مشروع مشترك في أوغندا لتوليد 1700 ميغاوات من الطاقة الكهرومائية. وستقوم شركة مصرية متخصصة في المهمات الكهربائية بإنشاء ثلاث محطات في أوغندا بقيمة 100 مليون دولار. كما تعتزم مصر توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع تنزانيا ومشاركة الشركات المصرية في إقامة عدد من المشاريع التنموية فيها تشمل مشاريع البنية التحتية من محطات مياه الشرب والصرف الصحي وتوليد الكهرباء وإقامة المدارس والمستشفيات ومشاريع تنموية. وكثف المسؤولون المصريون من زياراتهم لدول حوض النيل يرافقهم رجال أعمال ومسؤولو شركات كبرى لبحث سبل التعاون في مشاريع استثمارية مشتركة مع هذه الدول.