«لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت! إني أتنفس تحت الماء، إنّي أغرق ... أغرق ... أغرق»، ربما يكون هذان الشطران من قصيدة قارئة الفنجان للشاعر الراحل نزار قباني الأكثر ملامسة لحال مركبات «ساهر» التي انقرضت من الطرق السريعة في جدة في ظرف 48 ساعة مضت. ولعل القائمين على النظام المروري الحديث لم يدركوا أن مميزات «ساهر» الفنية بمراقبة الحركة المرورية على الطرق السريعة ستتقزم أمام جبروت أمطار عروس البحر الأحمر، إذ لم تجد مركباتهم بداً من الهرب تزامناً مع هطول أولى قطرات المطر، حيث احتمت داخل الأحياء السكنية خشية أن يطاولها الضرر، ولسان حالها ينطق (بوجل): «يا روح ما بعدك روح»!. هروب «ساهر» من الطرق السريعة شجاعة إلكترونية تعكس جبن النظام نفسه من مواجهة الظروف المتقلبة لطقس جدة التي ترتجف خوفاً من مشهد تراكم السحب قبل أن يتساقط المطر الذي تدفع قطراته القوية بالأودية لتحريك سيولها مهددة بذلك حياة قاطنيها وجيرانها والمارة قربها. ويبدو أن فرار «ساهر» جاء استجابة لنداءات الدفاع المدني للمواطنين والمقيمين بعدم الخروج من المنازل والسير في الطرق السريعة خشية تفاقم الوضع، ليسجل بذلك سرعة في الهروب بقدر سرعته في ضبط المخالفات. في حين انزعج مدير مرور جدة العميد محمد القحطاني من سؤال «الحياة» عن أسباب هروب مركبات «ساهر» من الطرق السريعة مكتفياً بالقول: «إن المتهور ستتم محاسبته سواء كان هناك مطر أو لم يكن ، ونحن معنيون بسلامة الناس». ومن الملاحظ أن الشرائح الإلكترونية للنظام المروري استشعرت الفزع باكراً على رغم أنها سمة بشرية فطرية أثناء الخطر الذي تتجسد صورته في أمطار جدة على اعتبار ما ألحقته سيول العام الماضي من موت ودمار غير مسبوق في تاريخ المنطقة. وتجلى أن الإخلاء الفوري لمركبات «ساهر» من الطرق السريعة دفع المراهقين لممارسة هواية «التغبير»، وهي طريقة بدائية لتزيين سياراتهم بطلاء المطر عبر ملاحقة السيارات الكبيرة والسير خلفها بسرعات عالية للحصول على هذا الطلاء في ظل غياب نظام ساهر من هذه الطرق. ويقول فهد شبيب الذي يعمل بسيارة الأجرة الخاصة على الطرق السريعة إن الطريق السريع الرابط بين جدة ومكة خالٍ تماماً من أجهزة الرصد المرورية لضبط السرعة والمتمثلة بمركبات «ساهر» ، متسائلاً عن جدوى هذا النظام في حال استمرار هطول الأمطار أياماً عدة. ويوافقه الرأي أحد زملائه في المهنة ( أبو أحمد) بقوله: «يجب أن يكون «ساهر» أكثر شجاعة في مثل هذه المواقف بمثل صرامته في ملاحقة السيارات وتسجيل المخالفات التي أرهقتنا فواتيرها، وكان من المفترض على إدارة المرور أن تنصب كاميراتها في مواقع آمنة على الطرق السريعة تحسباً لمثل هذه الظروف إذا كان هناك خوف على سياراتهم وأجهزتهم من دمار الأمطار». ويؤكد فيصل حمود أن جهاز أمن الطرق هو الأكثر ثباتاً في الطرق السريعة حيث يتسلم دفة ملاحقة المخالفين في أجواء المطر التي يهرب منها «ساهر» بعد نوبة اضطراب وهلع مع بداية هطول الأمطار على عروس البحر الأحمر. في حين تشير الصفحة الرسمية ل «المرور» إلى أن المميزات الفنية لهذا النظام تتضمن المراقبة الحية للمركبات، وسرعة معالجة الحالات المرورية، وملاحقة المخالفين من دون تحديد ظروف الطقس التي سيعمل بها نظامها من أجل أن تحقق أفضل معايير السلامة عبر أحدث تقنياتها المستخدمة.