سجّل سعر الدولار في مقابل الين انخفاضاً بنسبة 2.87 في المئة خلال الشهور ال 12 الماضية. وكان سجّل أعلى مستوياته وأدناها على الإطلاق ما بين عامي 1975 و2010، عند 306.84 ين في كانون الأول (ديسمبر) 1975 و80.40 ين في تشرين الأول (أكتوبر) 2010. من المنظور التاريخي، لا يمكن اعتبار الارتفاع الحالي في سعر الين أمراً جديداً أو غير متوقع. فخلال السنين ال 20 الماضية، اتخذ الين اتجاهاً تصاعدياً أمام الدولار. وتعود بداية الارتفاع الحالي إلى منتصف عام 2007. وبذلك ينسجم الاتجاه الحالي لسعر الين أمام الدولار مع الاتجاه التاريخي للسنين ال 20 الماضية، خصوصاً السنوات الثلاث الأخيرة. لكن لا تبدو الأوضاع الاقتصادية في اليابان جيدة بحيث تؤدي إلى تعزيز سعر عملتها في مقابل الدولار. فسعر الفائدة فيها هو الأدنى على مستوى العالم، وتعمل التركيبة السكانية التي ترتفع فيها نسبة كبار السن على خفض معدل النمو الاقتصادي، مقارنة بالولاياتالمتحدة التي تتميز بتركيبة سكانية أكثر حيوية نتيجة لارتفاع نسبة الشباب وصغار السن، وتبلغ نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي ضعف نظيره في الولاياتالمتحدة تقريباً، ولا يبدو حجم عجز الموازنة الياباني أفضل حالاً مما هو عليه في الولاياتالمتحدة. وإذا كانت المؤشرات الاقتصادية في اليابان لا تدعم ارتفاع سعر الين في مقابل الدولار، فما هي العوامل الدافعة إلى ذلك؟ الإجابة ببساطة هي العلاقة بين العرض والطلب، فهناك طلب (شراء) على الين أكثر من العرض (بيعه). وفي النظرية الاقتصادية، تكتسب عملة أي بلد قوتها أو ضعفها من وضعية الميزان التجاري وميزان الحساب الجاري في ميزان المدفوعات لذلك البلد. فعلى نطاق الميزان التجاري، تُعتبر اليابان خامس أكبر مصدّر في العالم، وهي تتمتع دائماً بفائض تجاري لأنها تصدّر أكثر مما تستورد. وهذا يعني أن هناك طلباً على الين لأغراض الاستيراد من اليابان اكثر من بيع اليابان للين وشراء عملات أخرى لأغراض الاستيراد من الخارج. أما بخصوص تدفقات الاستثمار، فهناك طلب كبير من خارج اليابان على الموجودات المالية اليابانية القصيرة الأمد. فما بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) 2010، اشترى المستثمرون الأجانب ما يعادل 5.5 تريليون ين من الموجودات اليابانية (بحسب أرقام وزارة المال اليابانية)، بينما لم يقابل ذلك تدفق مماثل من اليابان على الموجودات الأجنبية إذ يفضل المدخرون اليابانيون شراء سندات الحكومة اليابانية. ولكن ما هي مصادر طلب المستثمرين الأجانب على الموجودات اليابانية؟ يأتي المصدر الأول للطلب من سعي الدول إلى تنويع احتياطاتها من الموجودات الأجنبية. وتُعتبر الصين في مقدم الدول التي تحولت حديثاً من الدولار واليورو إلى الين بعد تخوفها من تآكل قيمة احتياطاتها نتيجة ضعف هاتين العملتين. فقد بلغ صافي شراء الصين للديون اليابانية خلال الشهور الستة الأولى من عام 2010 ما قيمته 1.7 تريليون ين في مقابل 255 بليون ين فقط عام 2005. ويأتي المصدر الثاني للطلب من المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن حفظ موقّت لثرواتهم. ويبدو الين جاذباً جيداً لهم بسبب ارتفاع قيمته في مقابل ضعف الدولار وانخفاض سعر الفائدة على سندات الخزينة الأميركية. ويأتي المصدر الثالث للطلب من تخوف المستثمرين من نتائج سياسة التيسير الكمي لمجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي) في الولاياتالمتحدة، بينما لا يُتوقع أن يمارس "بنك اليابان" (المركزي) سياسة مشابهة، الأمر الذي يزيد من رغبتهم في استبدال الدولار بالين. ويأتي المصدر الرابع للطلب من توقعات المستثمرين في خصوص سعر الفائدة في كل من اليابانوالولاياتالمتحدة. فسعر الفائدة في الأولى هو الأدنى في العالم وليست هناك توقعات باحتمال انخفاضه أكثر، بينما توجد توقعات في شأن سعر الفائدة في الولاياتالمتحدة. ويأتي المصدر الخامس للطلب من تدهور أوضاع الأسواق المالية خارج اليابان. فبسبب سعر الفائدة المنخفض جداً في اليابان، اعتاد اليابانيون على الاقتراض من المصارف اليابانية والاستثمار في الخارج بعوائد مجزية. وكان الاستثمار الياباني في الخارج يسبب بيعاً للين وشراء للعملات الأخرى مثل اليورو والدولار. لكن الوضع تغير الآن بسبب تغير فرص الاستثمار المربحة في الخارج، ما يدفع المستثمرين اليابانيين إلى تصفية استثماراتهم في الخارج وإعادة شراء الين لأغراض إرجاع القروض التي في ذممهم إلى المصارف اليابانية. * كاتبة متخصصة في الشؤون الاقتصادية