بدت آثار الحرب في وسط بنغازي شرق ليبيا، جلية على مبانيها وفي شوارعها، وفي الانتشار العسكري والأمني في مختلف محاورها. ولا يكسر هدوء ليل المدينة الساحلية المُطلة على البحر المتوسط، إلا دوي قصف متقطع، نتيجة اشتباكات دائرة بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ومسلحين متطرفين يتبعون تنظيمي «داعش» و «القاعدة» في منطقتي سوق الحوت والصابري (وسط شمال). وحطت في مطار بنينا الدولي أمس، أول طائرة ركاب مدنية على متنها وفد مصري، بعد إغلاق للمطار استمر 3 سنوات منذ إطلاق عملية «الكرامة» العسكرية لتحرير بنغازي من وجود الميليشيات المسلحة التابعة لجماعة «أنصار الشريعة» المحسوبة على «القاعدة»، التي استولت على المدينة في بدايات عام 2104، وظهر تنظيم «داعش» في المدينة في نهايات العام نفسه. وبدأ الجيش في تحرير بنغازي تدريجاً منذ أيار (مايو) 2014، حتى بات مسيطراً على كل ضواحيها ما عدا المنطقتين اللتين يحاصرهما من كل الاتجاهات، بعد أيام من سيطرته على ميناء بنغازي الرئيسي القريب والمطل على البحر المتوسط. ويشارك الوفد المصري الذي وصل بنغازي في مهرجان ثقافي تُقيمه مؤسسة «الأهرام». وعلى رغم أن مطار المدينة لن يُستأنف عمله رسمياً قبل 16 الجاري، فإن هبوط طائرة الوفد فيه أمس، شكل مؤشراً إلى الحضور المصري في الشرق الليبي. وأرجأت الإجراءات الأمنية سفر الوفد من القاهرة نحو 7 ساعات. وانتقل الوفد من المطار إلى فندق «اشبيلية» في منطقة جوليانا المطلة على المتوسط (غرب بنغازي)، وسط حراسة أمنية مشددة من الجيش والشرطة، وبرفقة مسؤولين من وزارة الخارجية في الشرق. وانتشرت عشرات الآليات العسكرية والأمنية وسيارات الإسعاف والمطافئ في محيط الفندق الذي يبعد نحو 5 كيلومترات من منطقة الاشتباكات. وكتبت على إحدى الآليات العسكرية التابعة ل «الكتيبة 21» عبارة: «عندما تنتهي الحروب يكثر الرجال». وقال ضابط ل «الحياة»: «هذا الشعار ترفعه كتيبة شهداء الزاوية (منطقة في غرب بنغازي)، في إشارة إلى الذين يظهرون بعد انتهاء المعارك لجني المكاسب، فيما الشهداء والجرحى لا ينالون إلا الألم». وشوهدت مروحيات عسكرية في المطار المدني، الذي تنطلق منه غارات الجيش على الجماعات المسلحة، وخلا تماًماً من أي وجود لطيران مدني، وتراصت سيارات الدفع الرباعي التي تحمل المدافع والرشاشات الثقيلة عند أطرافه، فيما تعمل جرافات في مناطق إنشاءات في المطار الذي تسابق سلطاته الزمن لإعادة تشغيله. وفي الطريق من بنينا إلى جوليانا، ظهرت آثار الحرب على المدينة، مبانٍ مدمرة جزئياً أو كلياً على جانبي الطريق السريع، وكتبت على جدرانها المحطمة «شعارات جهادية» وآثار أسماء ممحية لمسلحين تابعين لجماعات متطرفة. محطة تموين الوقود عند مخرج المطار مدمرة، كذلك بوابة «الشرطة العسكرية» وآثار قذائف وطلقات رصاص في جدران غالبية البيوت القريبة وسوق تجاري بقيت شاهدة عليه لافتة تحمل عبارة: «هوم سنتر». وقال مسؤول عسكري إن منطقة المطار شهدت أشرس المعارك بين الجيش والمسلحين الذين استولوا عليه، لكن تم تحريره بالكامل بعد معارك ضارية. وعند جسر «بنينا» المؤدي إلى وسط مدينة بنغازي آلية عسكرية مدمرة، ثم دمار أكبر في منطقة قار يونس التي شهدت مواجهات دامية في آذار (مارس) الماضي ونالت جامعتها المرموقة والأبرز في ليبيا، جزءاً من الضرر. وأوضح مسؤول ليبي أن الجماعات المسلحة زرعت عبوات ناسفة في منازل المدنيين قبل الانسحاب من قار يونس وانفجر بعضها في سكان عادوا بعد تحرير الحي، ما دفع الجيش إلى الطلب من السكان عدم العودة إلا بعد تطهير البيوت تماماً. وسط هذا المشهد بدا شارع فينيسيا القريب من «قار يونس» مساحة من الضوء، ففتحت المتاجر والمقاهي أبوابها، وعُلقت إنارات على واجهات منازل. وينتشر الجيش بكثافة في كل شوارع بنغازي، ويقيم حواجز أمنية عدة على الطريق السريعة التي تربط أحياء المدينة، وعند محاورها الرئيسية، وتزداد تلك الحواجز وصولاً إلى جسر جوليانا المغلق بآلية عسكرية وهو يبعد نحو 3 كيلومترات غرب الصابري وسوق الحوت.