أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما الأسبوع قبل الماضي، تعجيل خطة إلزام مصنعي السيارات بإنتاج مركبات ذات كفاءة أكبر في استخدام الطاقة لتدخل حيز التنفيذ في 2016، بدلاً من موعدها المحدد مسبقاً في 2020. وأبرز ملامح الخطة هو أن تكون السيارات المنتجة بحلول 2016 قادرة على السير بمعدل 35.5 ميل باستخدام جالون نفط واحد (15 كيلومتراً للتر الواحد)، وهو ما يعني زيادة 10 أميال إضافية عن المعدل الحالي (25 ميلاً للجالون)، وما يعني أيضاً توفير يومي لا يقل عن 1.4 مليون برميل في استخدام النفط في السوق الأميركية، التي تستهلك ربع إنتاج العالم اليومي من النفط. وعلى رغم أن مصنعي السيارات الكبار في أميركا بدأوا في التذمر السريع، بعد إقرار الخطة خوفاً من فقد المنافسة لمصلحة الشركات العالمية الأخرى، نظراً لارتفاع كلفة إنتاج السيارات ذات الكفاءة العالية في استخدام الطاقة بين 1300 و2500 دولار في المتوسط، بحسب نوع السيارة، إلا أن القرار دخل حيز التنفيذ بعد تصديق «الكونغرس» عليه، ولن يجد مصنعو السيارات الأميركيون بداً من البدء في تنفيذه، لاسيما أن كل الشركات الكبيرة في أميركا، تلقت دعماً كبيراً أنقذها من الإفلاس بعد الأزمة المالية، التي شهدها العالم نهاية العام الماضي (بلغ الدعم ل«جنرال موتورز» فقط 15.4 بليون دولار). ولا ننتظر بالتأكيد تعليقاً من «أوبك» في اجتماع أمس (بعد إرسال المقال للمطبعة)، إلا أن الأكيد أن خطة أوباما سيكون لها قدر مناسب في اجتماع المنظمة، التي تنتج 4 من كل 10 براميل نفط ينتجها العالم يومياً، لاسيما أيضاً والاجتماع يعقد بعيداً عن توترات انخفاض الأسعار، وفي ظل أوضاع جيدة للأسعار بعد ارتفاعها بنسبة بلغت 72 في المئة بين أدنى مستوى سجلته في شباط (فبراير) وهو 34 دولاراً للبرميل إلى نحو 61 دولاراً للبرميل خلال الأسبوع الماضي. وبالعودة إلى خطة أوباما، فهي اعتراف ضمني بعدم قدرة بدائل الوقود الأخرى على منافسة الوقود الأحفوري المستخرج من باطن الأرض. فخلال العشرين عاماً الماضية كان التبشير بسيارات الكهرباء، أو تلك التي تستخدم الهيدروجين، أو السيارات التي تسير بالإيثانول المستخرج من الذرة وقصب السكر (الوقود الحيوي)، أو حتى السيارات التي تسير بالطاقة الشمسية، ومع كل منتج كان الاحتفاء والفرح وإفراد ساعات البث وصفحات الصحف الغربية للحديث عن المنتج الجديد مصحوباً بالبشرى بزمن الاستقلالية، وعدم الاعتماد على نفط «أوبك» ونهاية عصر النفط. ومع مرور أكثر من عشرين عاماً على البحث والتنقيب ودعم البدائل، إلا أن التجارب كانت تعود شبه خائبة، فسيارات الكهرباء plug-in vehicles تزيد الطلب على الطاقة الكهربائية التي تنتجها «مكائن» تعمل بالنفط الأحفوري بما يعني زيادة استهلاك النفط بمعدل لا يقل عن 50 في المئة، وسيارات الإيثانول سببت ارتفاع أسعار الغذاء وأحدثت تغيرات سيئة في البيئة، والهيدروجين يحتاج استخلاصه لتقنية عالية ومرتفعة الثمن، كما يتطلب الحصول على الهيدروجين استخدام كميات كبيرة من الكهرباء لاستخراجه من الماء أو من السوائل أخرى، ما يعني طلباً إضافياً على الوقود الأحفوري (النفط). وأما الشمس فليس في الأفق تقنية لاستخدامها في تسيير المركبات على رغم بعض المحاولات المحدودة، كما أن الطاقة الشمسية لا يمكن تخزينها وبيعها بكميات تجارية (وعلى افتراض إمكان ذلك، فالميزة المطلقة لنا وشمسنا لا يمكن منافستها مع وصول درجة الحرارة في السعودية إلى أكثر من 50 درجة مؤية). ويبقى الخوف الأكبر على مستقبل النفط الأحفوري من قدرة الدول الكبرى على التحول لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، إلا أن موضوع المفاعلات النووية بدوره لا يحظى بالقبول كثيراً لأسباب بيئية وصحية وأمنية، كما أن وسائل النقل هي التي تستهلك الجزء الأكبر من النفط وليس «مكائن» الكهرباء. لذا فإن النفط سيبقى هو المصدر الأهم للطاقة في العالم، وهذا ما يجعل الإدارة الأميركية تلجأ إلى خيارات الكفاءة في تصنيع السيارات بدلاً من اللجوء إلى التوسع في إنتاج المركبات التي تستخدم الطاقة البديلة، وما يجعل أيضاً منظمة الطاقة في باريس تعلن حاجة العالم لأربعة منتجين في حجم السعودية. واختم بأن أسعار النفط تحددها عوامل «جيوسياسية»، وتخضع لمضاربات محترفين أكثر من خضوعها لقاعدة العرض والطلب الاقتصادية، وهو ما يجعل التوقع لها صعباً، إلا أن أهمية النفط للعالم، وعدم نجاح البدائل كثيراً لا يعفيان الأوبك من إعادة النظر في إنتاجها، ومحاولة تقليل أو ترشيد كلفة الإنتاج، فسعي الدول المستهلكة لترشيد استهلاكها يجب أن يقابل بخطوة مماثلة من الدول المنتجة لترشيد نفقات إنتاجها. * اقتصادي سعودي - بريطانيا [email protected]