بعد أخذ ورد بين الخبراء والاقتصاديين، وسجال سياسي لم ينته بعد حول فكرة تأميم مصرف «هيبو رييل استيت»، ودعم شركة «أوبل» التابعة للشركة الأميركية الأم «جنرال موتورز»، أقر البرلمان الألماني قانوناً يمنح الحكومة سلطة فرض سيطرتها على المصارف المتضررة من أزمة المال العالمية، في خطوة لا سابق لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت المستشارة أنغيلا مركل، هيأت لمثل هذا التطور أخيراً، مؤكدة عدم استبعاد تأميم هذا المصرف، بعدما أعلن المسؤولون فيه، أنه «لا يزال يحتاج إلى 20 بليون يورو» على الأقل اضافة الى 102 بليون يورو تلقاها حتى الآن، من دون أن يتمكن من تصحيح أوضاعه، بينها 87 بليوناً من الدولة والمبلغ المتبقي من مصارف خاصة وعامة. وبرّرت مركل نية المساعدة، لأن انهيار المصرف «سيكون كارثياً على النظام المالي الألماني والدولي، وسيكون ضرره أكبر على دافعي الضرائب من وضع الدولة يدها عليه». وشددت على أن الحكومة «لن تلعب دور رجل الأعمال فيه، بل دور دعم المرحلة حتى يتعافى»، على أن يُعاد إلى مالكيه بعد استيفاء حقوق الدولة منه. ودافع وزيرا المال والعدل الألمانيان بشدة عن قرار الحكومة، الذي يسمح بتأميم المصارف المتعثرة في البلاد، بعد تنامي حملة الانتقادات التي بدأتها اتحادات أرباب العمل ونقابات أصحاب المصارف. ووصف الحزب الليبرالي المعارض الخطوة بأنها «تفتح الباب أمام الاشتراكية». وإذ رأى وزير المال بيير شتاينبروك أن الامتناع عن خطوة تأميم المصرف المفلس، «سيؤدي إلى تدهور في سوق المال يشبه ما أحدثه سقوط المصرف الأميركي «ليمان براذرز»، اعتبرت وزيرة العدل بريغيته تسيبرس، خطوة التأميم «آخر الكي وموقتة». وأوضح شتاينبروك أن التأميم «وسيلة تستعمل لإعادة الاستقرار في مصرف يحتل أهمية كبيرة في سوق المال»، كاشفاً أن حجم ما يتعامل به «يبلغ 400 بليون يورو». وأكد أن تأميمه «سيحسِّن إمكانات إعادة رسملته، وستعيد الدولة بيع الأسهم من القطاع الخاص لدى تعافيه مجدداً». ولفت إلى أن قانون التأميم «أمهل الحكومة مدة لا تتجاوز 30 حزيران (يونيو) المقبل للإقدام على الخطوة المطلوبة». وعن إنقاذ شركة «أوبل»، التي تحتاج إلى سيولة بقيمة 3.3 بليون يورو، لم تتلقها بعد من الشركة الأم المهددة بالإفلاس في الولاياتالمتحدة، وبعد رفض أولي لتقديم المساعدة الحكومية إليها، عادت المستشارة مركل ووافقت على ذلك مبدئياً بعد ضغوط سياسية واجتماعية داخلية مورست عليها. وكان وزير خارجيتها الاشتراكي الديموقراطي فرانك فالتر شتاينماير وعدد من رؤساء حكومات ولايات تنتمي الى الحزب المسيحي الديموقراطي، أصروا على إنقاذ الشركة التي تشغِّل 25 ألف عامل وموظف، شرط أن تقدم إدارتها خطة إصلاحية تمكّنها من اتخاذ قرارات مستقلة عن «جنرال موتورز»، وهو ما فعلته أخيراً. إذ أُحيلت الخطة على مجموعة من الخبراء في وزارة الاقتصاد لدراستها من دون تحديد مهلة لصدور قرار نهائي. لكن هذا التحول في الموقف الحكومي أثار ردود فعل عنيفة رافضة للخطوة، سواء داخل الحزب الديموقراطي المسيحي برئاسة مركل، أو داخل الاقتصاد الخاص وشركات صناعة السيارات الألمانية أو بين الخبراء، ما دفع المستشارة إلى التشدد مجدداً، وإعلان عدم اقتناعها تماماً بعد بأن «ثمة منفعة عامة من إنقاذ «أوبل» بعدما عارض وزيرا الداخلية فولفغانغ شويبله والاقتصاد الجديد كارل تيودور تسو غوتنبيرغ (الحزب الديموقراطي المسيحي) التدخل لإنقاذ «أوبل» من الإفلاس. وأيّد الخبير الاقتصادي بيتر بوفينغر الحكومة لمنع المصارف المفصلية من الانهيار، معتبراً أن الدولة «تملك ما يكفي من الإمكانات والقدرات المالية لضمان مكافحة أقوى لتداعيات أزمة المال الدولية». وأكد الخبير فولفغانغ فرانتس تفهمه «مسؤولية الدولة في مواجهة محظور يتصل ببنية النظام، ما يفرض العمل على مساعدة المصارف ولو في شكل مكره». لكن الأمر لا ينطبق في رأيه على الشركات الخاصة مثل «أوبل»، مطالباً الدولة ب «عدم التدخل». واعتبر الناطق باسم الحزب المسيحي في شؤون الموازنة العامة شتيفن كامبيتر، أن تدخل الدولة في الاقتصاد الخاص «يضرّ أكثر مما يفيد»، مشدداً على ضرورة «التوقف عن تعريض الموازنة العامة إلى ضغوط مالية لا قدرة لها على تحملها». وانتقد رئيس معهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ هانس فرنر بشدة نهج الحكومة إزاء شركة «أوبل»، معتبراً أنها «تسعى إلى إنقاذ نفسها بمساعدة الدولة على حساب مصلحة البلاد العامة». وأوضح أن «لا دخل للدولة في كل ذلك، وليس من مهمات الحكومة تمويل الشركات الخاصة». كما ورد انتقاد من منافس قوي ل «أوبل» هو شركة «فولكسفاغن» الألمانية، إذ رأى رئيسها مارتن فينتركورن أن «ليس مسموحاً للدولة التحوّل إلى مؤسسة إنقاذ للشركات الواقفة على الأرجح على شفير الإفلاس». وإذ أعلن أن «من المشروع للدولة تقديم ضمانات مالية لفترات محدودة»، رفض في المقابل «إنقاذ شركات هالكة بواسطة الضرائب العامة». وفي هذا المجال حذَّر خبراء واقتصاديون من مساعدة شركات متعثرة مثل «أوبل»، وأشاروا إلى أن ذلك «سيضرّ بالقدرة التنافسية للشركات الأخرى السليمة». ووجد الرئيس السابق لاتحاد الصناعة الألمانية هانس أولاف هنكل» أن على الدولة «مساعدة شركات صناعة السيارات الألمانية الأخرى في حال دعمت «أوبل» مالياً»، لكن حذَّر من هذا النهج «إذ نكون استعدنا النظام الاشتراكي في ألمانيا الديموقراطية السابقة من دون ملاحظة ذلك». وعلق وزير الاقتصاد تسو غوتنبرغ على الخطة الإصلاحية ل «أوبل»، مبدياً ارتياحاً «إذا بقيت الشركة على قيد الحياة، لكن لا بد لها ولأمّها الأميركية إيضاح ما إذا كان المبلغ المطلوب (3،3 بليون يورو) كافياً، وضمان صرف الدعم الحكومي لإصلاح وضعها وليس لمصلحة الشركة الأم». ولم يعد المراقبون متأكدين من أن «لوبي» شركة «أوبل» الألمانية الأصل ( كانت تعرف باسم «آدم أوبل» واشترتها «جنرال موتورز» عام 1929)، الممثَل الآن برؤساء حكومات أربع ولايات، قادراً على فرض إنقاذ الشركة، وعدم السماح بتسريح عشرات آلاف العمال على مشارف انتخابات نيابية في البلاد ستجرى في الخريف المقبل. لكنهم أجمعوا على أن الخلاف «بات مادة دسمة للانتخابات البرلمانية».