أي سرّ يكمن في المجلة الأميركية؟ ولماذا عالم المجلات الأميركية إلى مزيد من التوسع والازدهار، على رغم كل الأزمات التي تحاصر الصحافة الورقية حول العالم؟ نحو 300 مجلة تنتشر أسبوعياً على رفوف المتاجر المخصصة لبيع المطبوعات الصحافية ولدى باعة الصحف في الولاياتالمتحدة الأميركية، بينها 4 إصدارات جديدة. بعض المجلات يموت في المهد، وبعضها الآخر يعمّر بضع سنوات، والقليل منها فقط يحتفل بالذكرى العاشرة على الصدور. فلماذا تعمّر مجلات طويلاً... بينما تموت أخرى؟ «إنه المحتوى، ثم المحتوى»، يجيب الدكتور سمير حصني، أستاذ الصحافة في جامعة ميسيسبي الأميركية ومدير ومؤسس «مركز ابتكار المجلات» التابع للجامعة ذاتها. حصني ليس أستاذاً للصحافة فحسب، بل مرجع في صناعة المجلات في الولاياتالمتحدة التي هاجر إليها قبل أكثر من ثلاثة عقود... هرباً من حرب ضروس كانت تضرب بلده الأم: لبنان. وهو مستشار مهني لكثير من المؤسسات الصحافية - التي تصدر مجلة أو أكثر - في أميركا وأوروبا. وتعود شهرة حصني إلى كونه صاحب دليل سنوي عن المجلات الصادرة حديثاً في الولاياتالمتحدة. وبات هذا الدليل مرجعاً للعامة وأبناء المهنة عن المجلات الأميركية الجديدة. صدرت الطبعة الأولى من الدليل قبل ربع قرن. وأخيراً احتفل الدليل بيوبيله الفضي. وللمناسبة، تضمن الكتاب – المرجع، إلى المجلات الجديدة التي صدرت خلال العام الماضي، قائمة بأفضل 25 مجلة صدرت خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، وتحديداً بين عامي 1985 و2009. ولم يصنّف حصني في دليله الواقع في 184 صفحة ملونة من القطع الكبير، المجلات «الفائزة» بحسب الترتيب من حيث الأفضلية، بل اختار أفضلها بصرف النظر عن السنة التي صدرت فيها أو إلى أي فئة انتمت إليها المجلة، سواء كانت ترفيهية أم نسائية أم سياسية أم مجلة طبخ أم صحة... أم غيرها. والمجلات الأميركية ال25 «الفائزة» هي التالية: «إيل» (1985)، «مينز هيلث» (1986)، «كوكينغ لايت» (1987)، «فيرست فود وومن» (1989)، «انترتاينمنت ويكلي» (1990)، «مارتا ستيوارت ليفينغ» (1990)، «ويزارد» (1992)، «فاست كومباني» (1993)، «وايرد» (1992)، «إن ستايل» (1994)، «ماكسيم» (1997)، «إي اس بي ان» (1998)، «ماكسوينيز» (1998)، «أميريكان بروفايل» (2000)، «لاكي» (2000)، «أوبرا ماغازين» (2000)، «ريل سيمبل» (2000)، «ذا ويك» (2001، انظر التحقيق عن المجلة في هذه الصفحة)، «إن تاتش ويكلي» (2002)، «إفري داي فود» (2003)، «أول يو» (2004)، «لايف أند ستايل ويكلي» (2004)، «رليش» (2006)، «فود نتوورك ماغازين» (2008)، «سبراي» (2008). وكان لهذه المجلات وقعها عند صدورها، لأنها عرفت كيف تخاطب قراءها الذين تتوجه إليهم. «باختصار، ركزت على الإيجابيات في الحياة، وبحثت عما تقدمه لملايين القراء من الخدمات المتنوعة التي يحتاجونها. كان لهذه المجلات التأثير الكبير على شريحة واسعة من القراء بفضل ابتكارها»، يقول حصني. ولعل القاسم المشترك بين هذه المجلات، على تنوّع اهتماماتها وتوجهاتها، أنها ذات محتوى جيد ومثير، وشكل جذاب ومتطور، ما جعلها تحجز لنفسها مقعداً متقدماً في قطار «النجاح» السريع. فخلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، صدرت في الولاياتالمتحدة وحدها نحو 10 آلاف مجلة جديدة. لكن القائمين على كل عنوان من المجلات ال 25 الآنفة الذكر عرفوا كيف يصنعون مجلة تلفت الانتباه من بين آلاف المجلات المكدّسة والمعروضة لدى باعة الصحف والمجلات. فأين يكمن السرّ في الأمر؟ يجيب حصني بلا تردّد: «المحتوى والمحتوى، ثم المحتوى»، موضحاً ان 80 في المئة من المجلات الصادرة حديثاً لا تستمر في الصدور حتى عيدها الخامس. وبالتالي، أصبحت المنافسة شرسة في عالم المجلات، والبقاء دائماً للأقوى، والعامل الأول في بقاء أي مجلة هو «المحتوى الجيد الذي يجلب القراء والمعلنين على حدّ سواء... ويفتح حقائب الأموال»، بحسب تعبير حصني. حصني الذي يعمل أيضاً مستشاراً للمجلات ودور الصحافة الأميركية الكبرى، بعدما بات اسمه مرادفاً لنجاح أي مجلة جديدة، يرى ان «للمجلة قوة غير متوافرة للراديو أو التلفزيون أو الكومبيوتر. وعلى رغم ان الانترنت أصبح لا غنى عنه في يومياتنا، ما زال للمجلة موقعها الذي لا تنافسها عليه أي وسيلة إعلامية أخرى». إذ ثبت مع مرور الزمن أنه لا يمكن لأي وسيلة إعلامية، مهما كانت متطورة، أن تلغي الأخرى القديمة. فلكل وسيلة خصائصها ومميزاتها وجمهورها. والوسيلة الناجحة أن تسعى إلى تطوير ذاتها ومواكبة متطلبات جمهورها وحاجاته. ولعل المجلات في طليعة الوسائل الإعلامية التي تستطيع لعب هذا الدور، لما لها من خصائص غير متوافرة لدى غالبية الوسائل الأخرى. وهذا ما أدركته المجلات الأميركية التي عرفت كيف تواكب تطور بيئتها. يقول حصني في هذا السياق ان «المجلات عكست الصورة الأنقى للشعب الأميركي. فكانت خير من يقدّم المجتمع الأميركي إلى العالم». فازداد عددها وتنوعت ميولها واختصاصاتها... وتوسعت رقعة انتشارها يوماً بعد يوم. وبات كل عام يشهد مزيداً من العناوين (المجلات) الجديدة. وكان الاعتقاد سائداً بعد حوادث أيلول (سبتمبر) 2001، أن الأميركيين سيتوجهون بعدها إلى الصحافة (ومنها المجلات طبعاً) السياسية بغية فهم ما حدث لهم في ذلك اليوم المشؤوم، ومعرفة خلفياته ونتائجه. لكن المفارقة كانت في أن الأميركيين ابتعدوا عن السياسة، واتجهوا صوب المجلات التي تعطيهم راحة نفسية، وذلك هرباً من الضغوط السياسية التي أعقبت حوادث أيلول (سبتمبر) وهموم الحياة اليومية التي ترتبت عليها. عندما بدأ حصني في إصدار دليله السنوي قبل ربع قرن، كان عدد المجلات الجديدة (التي صدر عددها الأول عام 1985) 234 مجلة. يقول حصني: «كانت غالبية الناس تعتقد آنذاك بأن المجلات إلى زوال مع الصحافة الورقية، وذلك أمام سطوة التلفزيون وتأثيره على حياتهم، خصوصاً مع سطوع نجم القنوات التلفزيونية الموزعة عبر الكايبل في ثمانينات القرن الماضي، ما أصاب أرباب صناعة المجلات بالقلق. لكن المفاجأة كانت ان عالم المجلات توسّع، وراحت الإصدارات الجديدة تتكاثر في شتى الميادين، حتى باتت المجلات صناعة متطوّرة، تحريراً وإخراجاً وطباعة... وتوزيعاً». وفي دليله الفضي الأخير، يعدّ حصني 704 مجلات صدرت في الولاياتالمتحدة خلال العام 2009، أي بمعدل مجلتين جديدتين يومياً، وذلك بعد بضعة أشهر فقط على الأزمة الاقتصادية العالمية. الأمر الذي يؤكد قول حصني ان «الرأي القائل ان عالم المجلات الورقية إلى أفول وزوال... كان خاطئاً بالأمس، واليوم وغداً».