بدت عناصر الفرح مكتملة في عيد الميلاد هنا في المدينة التي شهدت ميلاد «مخلص البشرية» يسوع المسيح: أفواج الحجاج من كل حدب وصوب تتدفق بفرح بالغ إلى المكان الذي رأى فيه طفل المغارة النور قبل 2010 سنوات. لكن نظرة سريعة من ساحة الكنيسة العتيقة كافية لمعرفة العنصر الحاجب للفرح: الاستيطان الذي وصل الى باب المدينة، والجدار الذي اخترقها من غير موقع وعزل أجزاء واسعة منها وفصلها عن مدينة القدس، حيث كنيسة القيامه، الكنيسة التالية بعد كنيسة المهد، في احتفالات العالم بمولد «رسول السلام». وقال رئيس بلدية بيت لحم فكتور بطارسة ل«الحياة»: «لا ينقص مدينة السلام سوى السلام، سوى الخلاص من الاحتلال». ارتفاع عدد الحجاج والسياح وبدا أن العالم بأكمله قدم للاحتفال بعيد الميلاد في بيت لحم هذا العام: وجوه متنوعة تنوع العالم، من أوروبا وآسيا وأفريقيا. ومن فلسطين، قدم المواطنون من الناصرة والجليل والقدس ورام الله. كما سمحت السلطات الاسرائيلية لعدد من أهالي قطاع غزة المسيحيين بمغادرته والدخول الى بيت لحم، لكنها استثنت منهم فئة الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 17 و35 عاماً. وقالت وزيرة السياحة خلود دعيبس، إن عشرات الآلاف أَمُّوا الكنيسة في اليومين الاخيرين للاحتفال بعيد الميلاد. وأضافت ان اكثر من مليون ونصف المليون حاج وسائح دخلوا بيت لحم هذا العام لزيارة كنيسة المهد التي ولد فيها السيد المسيح. وشهدت بيت لحم العام الحالي بناء عدد من الفنادق والمرافق السياحية لاستيعاب حركة السياحة المتزايدة الى المدينة بعد انقطاع كبير طيلة سنوات الانتفاضة الماضية. واستغل الرئيس محمود عباس وجود المسيحيين من قطاع غزة الذي لم يدخله منذ وقوعه تحت سيطرة «حماس» أواسط عام 2007، للقائهم. وتعهد تشكيل حكومة مستقلين، ووضع إعادة بناء قطاع غزة على رأس جدول أعمالها في حال توقيع «حماس» على الورقة المصرية. وقال مخاطباً المحتفلين القادمين من غزة: «الورقة المصرية التي هي بالنهاية ليست مقدسة، لكن على الأقل هي تشكل أرضية للتفاهم، ونحن نؤكد انه في الوقت الذي يوقعون فيه على الوثيقة المصرية، نحن جاهزون للذهاب من أجل تشكيل حكومة مستقلين، وإعادة بناء غزة». عظة الميلاد وحضر عباس قداس منتصف ليل عيد الميلاد الذي قاده البطريرك فؤاد طوال، بطريرك اللاتين للقدس والأردن وسائر الديار المقدسة. وقال البطريرك فؤاد طوال في عظة الميلاد: «أمنيتنا في هذا العيد وفي مطلع السنة الجديدة، أن تصبح القدس ليس فقط عاصمة لدولتين، وإنما أيضا نموذجاً حضارياً لعيش مشترك بين الأديان الثلاثة، على أساس التسامح والاحترام المتبادل والحوار البناء، نموذجاً حضارياً نعيشه ونصدره للخارج». وأضاف: «أمنية العيد أن ترتفع دقات أجراس الكنائس، فتُغطي بألحانها صوت البنادق والرشاشات وآلات الموت في شرقنا الأوسط الجريح». وتابع ان «ما نحتاج اليه وما نطلبه من الله في يوم الميلاد هو السلام أولاً وثانياً وأخيراً». وأضاف: «نرفع معاً صوتنا إلى الله طالبين ما نحتاج إليه: نريد سلاماً للشعب الفلسطيني وسلاماً للشعب الإسرائيلي. نريد سلاماً واستقراراً وأمناً لكل الشرق الأوسط، بحيث يعيش أطفالهم وأطفالنا طفولتهم البريئة، وينمون بجو سليم، ويلعبون سوية في ساحات المساجد والكنائس والأديرة». واعتبر ان عيد الميلاد «يذكرنا بقيمة الحياة البشرية التي هي عطية ثمينة من الله، وبأن لكل طفل كرامة واعتباراً لأنه مخلوق على صورة طفل بيت لحم – رفيق وصديق كل الأطفال»، مضيفاً أن «طفل بيت لحم يُعلمنا الوحدة وتجنب الانقسامات على مستوى العائلة أو القرية أو الدين أو الوطن. فالوحدة والتعاون هما مشيئة الله فينا ويصبان في المصلحة العامة». وقال البطريرك طوال إن الاجتماع الاخير لسينودس أساقفة الشرق الأوسط «يُشكّل منعطفاً تاريخياً في وجودنا المسيحي في الشرق الأوسط»، مشيراً الى الوثيقة التي صدرت عنه. وأضاف: «الأطروحات التي سيطرت على مسيرة السينودس، هي المحبة والشراكة والتعاون والحوار والانفتاح والمواطَنة الصالحة. الحوار هو أسلوب حياة وقيمة مطلوبة على كل المستويات: بين الكنائس الكاثوليكية ومع البطريركيات الموجودة في الشرق، علّنا نصل إلى ملء الشركة في الإيمان والأسرار المقدسة». وتابع ان «حوار الأديان هو حتمية مصيرية مطلوبة على المستوى العالمي، لأنه الحل لمعظم مشاكلنا الحياتية والاجتماعية».