لا بد للقادم من طريق الرياض، متوجهاً إلى حفر الباطن، أن يلفت انتباهه الزحام عند التقاء صحرائي الصمان والدهناء (150 كيلو متراً جنوب مدينة حفر الباطن)، وتحديداً عند منطقة أم رقيبة. ويذكر المؤرخون أن هذا النفوذ استمد اسمه من كثيب رملي، يشبه العُنق (الرقبة الصغيرة)، فتم تصغير الرقبة إلى رُقيبة ودرج سالكو المنطقة من البدو الرحل، على هذه التسمية إلى اليوم. أما سر الزحام، فهو مهرجان أم رقيبة، الذي انطلق أول مرة في العام 1419ه، متزامناً مع احتفال المملكة في مئوية دخول الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، إلى الرياض، على ظهور الإبل، ليكون المهرجان تخليداً لحدث بات الركيزة الأساس في قيام الدولة السعودية. وأخذ مهرجان أم رقيبة بعداً أكبر، بعد أن أولاه رئيس هيئة البيعة رئيس «اللجنة العليا لجائزة الملك عبد العزيز»، الأمير مشعل بن عبد العزيز، اهتمامه، ورسخه، ليصبح تظاهرة ثقافية اجتماعية، يلتقي فيها محبو التراث على مدار شهر كامل، في حراك اقتصادي، اجتماعي، ثقافي. وينظر المهتمون في الإبل، إلى مهرجان أم رقيبة، على أنه «سياحة صحراوية»، تربطهم في شكل كبير مع موروث، خشوا يوماً أن يندثر ويتلاشى مع الاجتياح السريع للحياة المدنية، ما جعل وجود المهرجان «معززاً قوياً» لجذب اهتمام القبائل في الجزيرة العربية، لتتنافس فيما بينها على امتلاك «نفائس الإبل»، تجسيداً لأصالة القبيلة. وتعقد في المهرجان صفقات شراء تتجاوز في معظمها حاجز المليون ل»الفحل»، أو «البكرة»، من السلالة الأصيلة. فيما يصل في أحايين قليلة إلى ال10 ملايين ريال. وتحولت أم رقيبة خلال السنوات الماضية، إلى مدينة متكاملة، تتوافر فيها جميع الخدمات، من مطاعم، وخيام سكنية. ومنها خيام خُصصت للحاجات التجارية، فليس من المستغرب أن تجد لوحة على خيمة تشير إلى كونها محل حلاقة، أو مطعماً، أو مقهى شعبياً، أو «تموينات»، أو مغسلة ملابس. حتى ان الزائر يجد خياماً مُخصصة لصيانة السيارات والمعدات. كما أن للسلع الشعبية، من أطعمة، وملبوسات، رواجاً كبيراً، من بقول، وسمن، وفراء ومشالح. كما يشهد المهرجان فعاليات وعروضاً مختلفة، من هجانة، وطيران شراعي، وتطعيس، وعروض الدراجات، إضافة إلى تواجد مخيمات الجهات الحكومية، مثل مركز الشرطة، وأمن الطرق، والدفاع المدني، والشؤون الصحية، والهلال الأحمر، بإشراف من بلدية حفر الباطن، وإدارة التربية والتعليم، ك»راعٍ ثقافي» للمهرجان. ويجتذب المهرجان الكثير من عشاق الإبل، ما حدا في اللجنة المنظمة إلى أن تعين لجنة للتحكيم، مكونة من خمسة حكام، برئاسة الأمير عبدالله بن سعد بن جلوي، فوضعت جدولاً للتحكيم، يمتد لمدة 30 يوماً متواصلة، بحسب اللون والفئات. إذ خصصت يومين من كل أسبوع لفئة، وخصص الجمعة لاختيار «ملكة جمال اللون المحدد». وحدد الأسبوع الأول للمغاتير (الإبل البيضاء)، فيما الثاني للشعل (الإبل الصفراء الداكنة الضاربة للبنية)، والثالث للصفر (صفراء باهتة)، والرابع للحمر (البنية الداكنة)، والأخير للمجاهيم (شديدة السواد)، التي تعتبر الأكثر شعبية لدى عشاق الإبل. وعن مقاييس الجمال، أوضح رئيس لجان التحكيم، أن «المُزينات» التي توضع على الإبل، «لا تؤثر في تقييم اللجان، لأنه يؤخذ في الاعتبار المقاييس الحقيقية لجمال الناقة الأصلية»، مبيناً أن ذلك يتبين من خلال «شكل أنفها، وسنامها، وطول رقبتها، إلى أثر خفها». وأضاف أن هذه السنة «تشهد زيادة في أعداد المشاركين، مقارنة في العام الماضي. وتُرشح اللجان 10 أذواد يومياً، بعد أن تدخل في ساحة العرض، خمسة للساحة الذهبية، ومثلها لساحة العرض»، لافتاً إلى أن الساحة الذهبية «لا تدخلها إلا الإبل التي رُشحت وتفوقت بجمالها على نظيراتها»، مشيراً إلى أن الإعلان النهائي عن الفائزين سيتم في الحفلة الختامية للجائزة.