عشرات الدروس الإعلامية مستفادة من موقع «ويكيليكس»، الذي بدأ البث الإلكتروني منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، لكنه لم يجذب هذا الكم الهائل من الاهتمام الإعلامي والسياسي والديبلوماسي والشعبي إلا أخيراً. في الأيام القليلة الأولى من بدء نشر الوثائق الديبلوماسية المسربة، تعاملت معها غالبية الفضائيات العربية باعتبارها خبراً عالمياً، واقتصر الأمر على أخبار مقتضبة تركض في الشريط الخبري أسفل الشاشة. ولكن ما هي إلا أيام حتى فرض «ويكيليكس» نفسه على أقسام السياسة العربية والإقليمية. فما إن بدأ الموقع ينشر وثائق تخص دولاً وأنظمة عربية حتى بدأت قرون الاستشعار الإعلامي العربي تعمل في شكل أكثر كفاءة، باتساع المساحة المخصصة لتغطية أخبار موقع التسريبات. اما أطرف ما في التغطية العربية فهو الانتقاء. فالوثائق عن دولة «إكس» العربية مادة ثرية في نشرة أخبار دولة «واي» العربية أيضاً. وفي اليوم التالي حين يحين موعد دولة «واي» تبدأ قنوات دولة «إكس» في التركيز على الوثائق... وهكذا. وعلى رغم أن الإحراج الديبلوماسي والسياسي الذي تسببت فيه وثائق «ويكيليكس» طاول الكثير من دول المعمورة، باستثناء إسرائيل وبعض دول أخرى، إلا أن ردود الفعل الإعلامية اختلفت من مكان الى آخر. فالإعلام الأميركي ومعه إعلام عدد من الدول الأوروبية التي طاولتها الوثائق المسربة تميز بالتراوح في التعامل مع القضية. فبالإضافة إلى التغطيات الخبرية للتسريب، ومجريات الأمور مع مؤسس الموقع جوليان أسانج، حفلت القنوات بكثير من برامج الحوار التي ناقشت الظاهرة، وفكرة التسريب، وتصورات التعامل في مثل هذه المواقف. وعلى رغم مشاعر الغضب الرسمي الغربي، لا سيما الأميركي، إلا أن في الإمكان مشاهدة الجانب الآخر المؤيد لآسانج والداعم لفكرة التسريب والنشر بغرض فضح الممارسات الفاسدة التي تنتهك حقوق الإنسان. ولأن الفكرة برمتها غربية حتى النخاع، فإن التناول العربي لها ما زال يتخبط بين مناقشة فكرة أخلاقية النشر وبين التعامل مع الوثائق المسربة بمنطق «نأخذ ما يخدم مصالحنا ونتجاهل ما يضرها»، وبين الاكتفاء بأخبار مقتضبة عن مؤسس الموقع من دون التطرق إلى المحتوى الكارثي. فما إن تحاول قناة تلفزيونية عربية تبني منهج التغطية الشاملة للموقع، حتى تجد نفسها في مأزق عربي صميم، حين تنشر وثائق من شأنها أن تحرج النظام الذي تنتمي اليه. ويؤدي ذلك غالباً إلى العودة مرة أخرى إلى الاكتفاء بأخبار «ويكيليكس» وآسانج على الشريط الخبري إلى أن تخمد نيران الوثائق المسربة وتهدأ حدة الحرج الناتج منها ليتوجه إلى نظام آخر، ليكون ذلك بمثابة الضوء الأخضر لتصعيد الخبر من خانة الشريط الخبري إلى التغطية الشاملة، وإن كانت بالغة الانتقاء.