الظهور الإعلامي الأول لرئيس الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي، بعد توليه وزارة الخارجية الإيرانية بالنيابة، بعد إقالة سلفه منوشهر متقي أثناء قيامه بزيارة رسمية إلى السنغال، ينم عن شخصية ودودة ومحبة للسلام والتعايش مع جيرانها، إذ أكد صالحي أول من أمس خلال مراسم تسلمه منصبه الجديد في مبنى وزارة الخارجية بطهران، أن علاقات بلاده مع الدول الإسلامية المجاورة، خصوصاً السعودية وتركيا، تشكّل أولوية لعمله في وزارة الخارجية، وقال: «تستحق السعودية علاقات سياسية مميزة مع إيران. وتستطيع الدولتان حل مشكلات كثيرة معاً في العالم الإسلامي». هذا كلام جميل من صالحي، وبداية موفقة له في عمله الجديد رئيساً للديبلوماسية الإيرانية، ولكن ما هي الآليات التي يقترحها علي أكبر صالحي، لجعل العلاقات بين الرياضوطهران أكثر متانة وقوة، من أجل العمل سوياً ومعاً لحل المعضلات التي تواجه العالم الإسلامي؟ لا أحد يهمه استقرار منطقة الشرق الأوسط أكثر من أبنائها. الآتون من وراء المحيطات سيعودون إلى بلدانهم يوماً ما. وحدهم أبناء هذه المنطقة باقون فيها، والصهاينة ليسوا منهم. كلام صالحي يصب في هذا الاتجاه، لكن ما الذي فعلته إيران من أجل «الجيرة الحسنة»، لكي تمتّن علاقاتها مع كل من الرياض وأنقرة؟ إيران تحتل عربستان، وهي أرض عربية. إيران احتلت بالقوة ثلاث جزر إماراتية. إيران الداعم الرئيسي لحزب الله، وهو حزب بلا شك مقاوم، لكنه يهدّد السلم الأهلي في لبنان، وسبق له أن اجتاح بيروت بقوة السلاح الإيراني. طهران دعّمت الحوثيين الذين يهدّدون الاستقرار في اليمن وجنوب السعودية. إيران أصبحت الاحتلال الرديف للاحتلال الأميركي للعراق، هذا إن لم تكن المحتل الأول لبلاد الرافدين. إيران تريد أن تبتلع الجزء الشرقي والشرقي الجنوبي من العراق. إيران تستخدم المذهب الشيعي، لنشر أفكار ثورتها الإسلامية في كل أنحاء الوطن العربي. وأخيراً تمكّنت إيران من جعل «شط العرب» مكباً لنفاياتها، من دون أن تحترم جيرانها وأبناءها ممن نصّبتهم حكاماً على العراق. إيران تؤوي قيادات تنظيم «القاعدة»، وهو التنظيم الذي يسعى إلى زعزعة الاستقرار والأمن العالميين، خصوصاً في السعودية. إيران موّلت الدولة الإسلامية في العراق لقتل المدنيين العراقيين، وما زالت تفعل ذلك بدم بارد. إيران ساعدت أميركا في إسقاط أفغانستان والعراق في براثن الاحتلال والتيه. إذا كانت لدى صالحي وحكومته الشجاعة الكافية لوضع جميع هذه القضايا على طاولة المحادثات من دون «تقية»، فنحن في السعودية وبقية دول الخليج، أبوابنا مفتوحة وكذلك قلوبنا، لبناء علاقات متوازنة مع إيران، تقوم على أساس من الاحترام والمصالح المشتركة وحسن الجوار، لكن وبحسب معرفتي بإيران، فهي تنكر أن عربستان أرض عربية احتلها جيش الشاه سنة 1925، وتصر على أن عربستان أراض إيرانية استعادتها القوات الإيرانية، مع أنها إمارة عربية كان يحكمها حاكم عربي ينتمي إلى قبيلة بني كعب العربية، وكذلك هي الحال بالنسبة للجزر الإماراتية، ليس هذا فحسب، بل إن نظام أحمدي نجاد لم يتورع من المطالبة بضم منطقة زين القوس العراقية لإيران، وهي (زين القوس) أرض عربية تملكها القبائل العربية في جنوب شرقي العراق منذ فجر التاريخ. إذا تمكّن صالحي من نزع موافقة القيادة الإيرانية بوضع ملف حزب الله اللبناني وبقية فروعه في المنطقة، وفيلق قدس الإيراني الذي يعيث فساداً بأرواح العراقيين، وكذلك فيلق مكة، وملف الدعم الخاص بالحوثيين، وغيرها من الملفات المرتبطة بإيران، وتهدد استقرار المنطقة على طاولة المحادثات، ومناقشتها بكل وضوح وشفافية، فأهلاً وسهلاً بالتقارب مع إيران، أما إذا كان كلام صالحي من باب ذر الرماد في العيون، أو أنه جاء كصرخة ألم إيرانية جراء العقوبات المفروضة عليها، ويريد من السعودية وتركيا فتح كوة على عزلتها الدولية، فلا أهلاً ولا سهلاً.