مهما قدمت حكومة الرئيس الايراني احمدي نجاد من مبررات لقرارها خفض الدعم عن استهلاك الايرانيين من الطاقة والخبز والمياه وسواها من حاجاتهم الاساسية، فان التفسير الوحيد الذي يراود المواطن الايراني العادي هو ان اضطرار حكومته لفرض هذه الاجراءات في هذا الوقت يعود بالدرجة الاولى الى العقوبات الدولية المفروضة على بلاده، بسبب النزاع القائم حول برنامجها النووي. فنحن نتحدث عن بلد هو خامس اكبر مصدّر للنفط في العالم، ومع ذلك تستورد ايران 40 في المئة من حاجاتها من البنزين، نظراً لعجز مصافيها عن تكرير نفطها، بسبب الحظر المفروض على بيع المعدات التي يمكن استخدامها في قطاع التكرير. اي أن الازمة التي يواجهها المواطن الايراني بسبب اجراءات احمدي نجاد سببها سياسي في الاساس وليس اقتصادياً، وبالتالي سوف يحتاج هذا المواطن الى جهد حكومي كبير لإقناعه بأن هذه «الجراحة الاقتصادية»، حسب وصف الرئيس الايراني، ضرورية لمعالجة الأمراض الاقتصادية التي تعاني منها ايران في ظل الحكم الحالي. ولأنه بات صعباً اقناع الايرانيين بسياسات اخذت تطال حياتهم اليومية، كان اللجوء الى الاجراءات الامنية تحسباً لوقوع اعمال عنف في وجه قرارات الحكومة. ولهذا انتشرت قوات الشرطة بكثافة في احياء العاصمة طهران وسائر المدن الايرانية، للحيلولة دون تكرار اعمال الشغب التي وقعت قبل ثلاثة اعوام، عندما بدأت الحكومة تقنين توزيع البنزين، او تلك التي واجهت اعادة انتخاب نجاد، التي اعتبرت المعارضة أنها شابتها عملية تزوير واسعة، في العام الماضي. ويذكّر القلق الحكومي من انعكاسات السياسة الاقتصادية بما واجهته حملة الانتخابات تلك. يومها كانت شعارات المعارضة تركّز على انتقاد الإنفاق الواسع على تمويل التنظيمات الموالية لسياسات النظام الايراني في الخارج، بينما تضرب الضائقة الاقتصادية المواطن الايراني في الداخل. من هنا مخاوف اركان هذا النظام من ان تتحول الصراعات الداخلية الى اداة للضغط على السياسة الخارجية، فقد بات الترابط بين الاستقرار الداخلي والقدرة على ادارة سياسة خارجية ناجحة ترابطاً وثيقاً، اذ إن ضعف الجبهة الداخلية يضعف بشكل كبير قدرة ايران على التفاوض من موقع قوة على ملفاتها الصعبة، سواء ما يتعلق منها بروابطها مع جيرانها الاقليميين، او تلك المتصلة بعلاقاتها مع الغرب بشأن الازمة النووية. وليس أدل على التخبط وتبادل الاتهامات حول ادارة السياسة الخارجية من «الجراحة» التي اجراها نجاد في وزارة الخارجية، وانتهت بعزل الوزير منوشهر متقي، فكل متابع مبتدئ للاوضاع الايرانية يعرف ان من يمسك هذه الحقيبة، او سواها في ايران، هو مجرد اداة تنفيذية في يد القرار الذي يتخذه المرشد الاعلى علي خامنئي، او احمدي نجاد طالما بقي حائزاً على ثقة المرشد ومطيعاً لأوامره. من هنا، ان تبرير اقالة متقي بأنه اخفق في تحقيق النتائج المتوخاة منه، هو تبرير مثير للضحك. ومع ان متقي لم يشأ الدفاع عن عمله، فان مجرد قوله ان قرار عزله «مخالف للتعاليم الاسلامية» يرفع سقف الانتقاد عالياً في نظام يطلق على نفسه شعار «الجمهورية الاسلامية». ليس منوشهر متقي في مرتبة محمد خاتمي او حسين موسوي او مهدي كروبي، لكن من المهم ان نتذكر انه كان الصورة الخارجية لايران طوال السنوات الخمس الماضية، وأن انتقاله المفاجئ الى صفوف منتقدي النظام يزيد من وطأة الصراع الداخلي، ويعزز الاتهامات الموجهة الى احمدي نجاد وفريقه بالدكتاتورية والتسلط، اذ لم يعرف يوماً أن متقي حاد قيد انملة عن التعليمات التي كان يتلقاها، وخصوصاً في المفاوضات النووية، لذلك لا يقول خَلَفه المعيّن علي اكبر صالحي أيَّ جديد عندما يدعو الى علاقات مميزة مع دول الجوار، وخصوصاً مع السعودية وتركيا، فليس معروفاً عن متقي انه كان ضد العلاقات مع هذين البلدين، او ضد اقامة علاقات تعاون مع الدول الاوروبية بدل سياسة المواجهة. واذا كان هناك من فشل في هذا المجال، فالمسؤولية على من يرسم السياسة لا على ادوات التنفيذ.