تحوّلوا إلى كابوس يقض مضاجع نزر من فئات المجتمع، وزوار ثقال لا يتمنى الكثيرون استقبالهم. فتجدهم يطردون من أمام أبواب المنازل تارة، ويصب عليهم وابل من السباب والشتائم في أخرى، وربما يتعرضون للضرب أحياناً!. كل ذلك ليس لذنب اقترفوه أو صنيعة أقدموا عليها، إذ إن جميع المصاعب التي ألفوا نزولها على رؤوسهم لا تعدو كونها ضريبة عملهم في المحاكم الشرعية، ك «محضري خصوم»!. وعلى رغم إيلاء السعوديين الزيارات الخاصة حفاوة بالغة، ما تلبث ابتسامة «أصحاب المنازل» أن تتلاشى فور علمهم بأن طارق أبوابهم «محضر» يريد تسليمهم «ورقة إبلاغ» تطالبهم بالحضور إلى جلسات قضائية مقامة ضدهم، فتعقد النواصي وتقبض الحواجب وترتسم على أوجههم «تكشيرة غليظة»، غالباً ما يتبعها «خروج عن النص» يفضي في بعض الأحيان إلى اشتباكات غير مبررة، بعد أن يخيّل لبعض المدعى عليهم أن «المحضر» استحال خصماً. ويبدو أن «محضري الخصوم» اعتادوا على «الاستقبال البارد»، واستساغوا تهرب بعض الخصوم منهم، فتجدهم دأبوا على تكرار زياراتهم مرات عدة، حتى يفلحوا في اصطياد المدعى عليهم وتبليغهم بموعد ومقر جلسات محاكمتهم. يقول أحد موظفي قسم الخصوم في محكمة شرعية في جدة (فضل عدم نشر اسمه) ل«الحياة»: «غالباً ما يسبب جهل بعض المتخاصمين مشكلة حقيقية لنا، فجلهم يشتاطون غضباً ما إن يتنامى إلى مسامعهم مسمانا الوظيفي والغرض من زيارتنا لهم. إضافة إلى أن جهلنا بطبائع وسجايا الأشخاص المطلوب منا زيارتهم يوقعنا في مأزق محرج في بعض الأحيان مع بعضهم الذين كثيراً ما يحاولون الاعتداء علينا من دون مسوغ منطقي». ولما كانت أقسام محضري الخصوم في المحاكم الشرعية شهدت تطوراً ملموساً في الفترة الأخيرة، نتج من تحولها من العمل اليدوي إلى الآلية الإلكترونية، في خطوة إلى تطبيق برنامج التعامل مع الخرائط الرقمية التي توضح مواقع الخصوم عبر تقنية جديدة، تمرمر أحد محضري الخصوم (فضل عدم نشر اسمه) ل«الحياة» من تهرب فئة من المدعى عليهم، «ذهبت إلى دار أحد المطالبين بالحضور إلى المحكمة مرات عدة، وفي كل مرة تجيبني عاملة منزلية لا تتحدث اللغة العربية إطلاقاً، ولم أفلح في التقاء المدعى عليه حتى الآن، إلا أني سأواصل زياراتي على أي حال حتى أظفر به». ولا تخرج طبيعة عمل «المحضرين» عن تسليم أوراق التبليغ التي يتسلمونها من المكاتب القضائية من طريق المدّعي إلى المدعى عليه. ويبدأ قسم محضري الخصوم مهمة البحث عن المدعى عليه حينها، إذ يُرسم «كروكي» لموقع منزله يُمنح ل «محضر» يكلف بالتوجه إليه وتسليمه يداً بيد، وفي حال كان موظفاً حكومياً تسهل مهمة «المحضر» ليكتفي بتسليم التبليغ بصفة رسمية إلى جهة عمله، كما تسهل أيضاً إن كان المدعى عليه غيّر محل إقامته من مدينة إقامته إلى مدينة أخرى، إذ تخاطب المحكمة التي تقع في المدينة أو المنطقة التي انتقل إليها المطلوب. وفيما توجب المادة 15 من نظام المرافعات الشرعية على محضري الخصوم تسليم ورقة التبليغ إلى المدعى عليه في محل إقامته أو عمله إن وجد وتلزمه في حال تعذر ذلك أن يسلمها إلى من يجده في محل إقامة المدعى عليه شريطة أن يكون من أهله أو أقاربه أو أصهاره، تعكف وزارة العدل على تطوير قدرات «المحضرين» عبر إطلاقها سلسلة من الدورات والبرامج التدريبية التي تهدف إلى تنمية قدرات المحضرين وإكسابهم مهارات فنية لازمة لإعداد محاضر التبليغ وأخرى تمكنهم من التغلب على المشكلات والمعوقات التي تواجههم إضافة إلى تنمية مهارات تعاملهم مع الجمهور.