منذ بدايات السينما والعلاقة وثيقة بينها وبين الموسيقى، باعتبار هذه الأخيرة أحد العناصر الجوهرية المكونة الفيلم السينمائي. وقد ظهرت الموسيقى المصاحبة للأفلام في مصر مع احتضانها السينما في شكل عزف بيانو مصاحب للفيلم الصامت في الصالات... ولكن عام 1927 اختيرت موسيقى فيلم «ليلى» من الأعمال المسجلة على الأسطوانات وقتها. وبالتالي تطور شكل الموسيقى التصويرية المصاحبة للأفلام في مصر. ومهما اتفقنا أو اختلفنا حول أهمية الموسيقى في السينما سنكتشف أن السبب الرئيس لاحتياج الفيلم لها هو الإحساس الغريزي واللاشعوري للمشاهد باحتياجه لسماع الموسيقى... فالفيلم في جوهره هو فن الحركة ولا يمكن أن نتخيل مشاهدة أو متابعة حركة من دون صوت يزامنها سواء كانت موسيقى أو إيقاعاً صوتياً. «سيمفونية القاهرة» تقول أستاذة الموسيقى في أكاديمية الفنون الدكتورة رانيا يحيى في كتابها «سحر الموسيقى في أفلام صلاح أبو سيف» الصادر عن الجمعية العامة لكتاب ونقاد السينما: «قبل أن أتناول مفهوم الموسيقى عند المخرج الكبير صلاح أبو سيف (1915- 1996) أود أن أذكركم بفيلمه التسجيلي «سيمفونية القاهرة» فقد أراد بهذا الفيلم أن يقول أن ضوضاء القاهرة موسيقى من وجهة نظره وقدم الهارموني بين أصوات البائعين وغيرها من الأصوات بالشارع القاهري». بين المراحل الفنية لأبو سيف كانت المرحلة الأولى تعتبر مرحلة «تحسس الطريق». حيث تعتبر الانطلاقة الأولى له كمخرج صاحب رؤية مختلفة، ومدرسة يرسي من خلالها أسلوبه الخاص والتي بدأها عبر فيلمه «دايماً في قلبي» 1946 وانتهت بفيلمه «الصقر» 1950 وشملت خمسة أفلام فقط. أما المرحلة الثانية: «النضج والتوهج» فبدأت مع فيلم «لك يوم يا ظالم» 1951 وانتهت ب «القضية 68» وتمثل تلك المرحلة أخصب فترات مشوار أبو سيف وأكثرها توهجاً، حيث أرسى الأسس والقواعد لمدرسته الواقعية والتي شملت في تلك المرحلة 23 فيلماً خلال سبعة عشر عاماً بينها أفلام «الزوجة الثانية» و «ريا وسكينة» و «شباب امرأة» و «القاهرة 30» و «بداية ونهاية» و «أنا حرة» وغيرها. وكانت المرحلة الثالثة مرحلة «الانحياز للسوق» وهي أطول المراحل زمنياً، إذ امتدت قرابة ربع قرن من الزمان إلا أنه لم يقدم خلالها سوى 13 فيلماً سينمائياً بعضها يعد تجارياً منحازاً لنظرية السوق والتي بدأها العام 1969 من خلال فيلم «ثلاث نساء» وأنهاها بفيلم «السيد كاف» عام 1994. سحر النغمات وتضيف الدكتورة رانيا يحيى: «لقد شهدت أفلام أبوسيف التي بلغ عددها 41 فيلماً اهتماماً كبيراً بكثير من العناصر المكونة لإبداعاته السينمائية، وكان للموسيقى حظ وافر، وربما يعزى ذلك إلى براعة الموسيقيين المعاصرين له بخاصة فؤاد الظاهري الذي يعد أحد أعلام موسيقى الأفلام في القرن العشرين، وهو الذي وضع موسيقى معظم أفلامه. وبلغت 19 فيلماً من إجمالي أعماله، كما استعان بكثير من الموسيقيين والملحنين بينهم علي إسماعيل وجمال سلامة وعبدالحليم علي ومحمد حسن الشجاعي وعبدالحليم نويرة وفريد الأطرش وعمار الشريعي وهاني مهنى وغيرهم، فقد لعبت الموسيقى بألحانها وتأثيرها الجمالي دور البطولة في بعض مشاهد أفلامه، لا سيما أنه كان يحسن توظيفها، جاعلاً من الصوت الموسيقي بطلاً في المشهد يعبر من خلاله عن أحاسيس ومشاعر واتجاهات مسار الأحداث الدرامية وتفاعلها بفلسفة جمالية قد لا يدركها غيره، كما مزجت موسيقى أفلامه بين الطابع الشرقي والغربي أحياناً لكونه قادراً على توظيف عناصره الموسيقية ببراعة. وستبقي موسيقى أفلامه ذات سحر خاص وإضافة حقيقية في عالميْ الموسيقي والسينما.