معلوم ان اقتصاد الدول الناشئة ينمو ببطء وأن استعادة سوق العمل عافيتها تستلزم وقتاً طويلاً. ففيما أُلغِيت عشرات آلاف الوظائف في الأشهر القليلة الماضية، وعلى رغم محاولة الحكومات لفت الانتباه إلى عشرات آلاف الوظائف التي أوجدها القطاع الخاص، علماً ان الشهر الحالي هو الشهر ال 12 على التوالي الذي يحقق فيه القطاع أرباحاً، لا تزال سوق العمل في الدول الناشئة بعيدة من مئات آلاف الوظائف التي يجب إيجادها لمجاراة النمو السكاني. ومعلوم ان التأخير في معالجة البطالة لا يصب في مصلحة هذه الدول. اللافت ان شعوب الدول الناشئة قلقة إزاء ما يمكن ان يصيب اقتصادات هذه الدول، فهم يتخوفون من ركود ذي تأثيرات مضاعفة يتعدى كونه ركوداً موقتاً. وهذا أبعد ما يكون عن الضرر الذي يمكن ان يؤول إليه الوضع. فالأخطار التي نواجهها اليوم أشد بأشواط من تلك المترتبة عن النمو البطيء الثابت أو عن حصول ردود فعل سياسية من شأنها تقويض الاستقرار والازدهار البعيدي الأجل. لا يستطيع أي موظف يُطرد من عمله الآن بسبب الضائقة المالية للشركة التي يعمل فيها، إيجاد عمل آخر بسبب البطالة، ولا يستطيع بيع منزله لهبوط أسعار العقارات. وفي هذا خير دليل على ما يطلق عليه الاقتصاديون اسم «البطالة الدورية». لكن إذا دامت فترة توقف الموظف عن العمل لمدة طويلة، قد تتراجع مؤهلاته وينضم إلى مجموعة العاطلين من العمل لعدم ملاءمتهم الوظائف المتاحة، ما يؤدي حتماً إلى البطالة الدائمة. ومن ثم تأتي النتائج السياسية المترتبة عن الضائقة المادية الممتدة، فالدول التي تعاني اضطرابات سياسية لا تتخذ دوماً قرارات حكيمة، فتبدأ النزاعات التجارية وإقفال الحدود وتتراكم المشاكل. ومع أننا ما زلنا في السنوات الثلاث الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية، فأننا نشهد نسبة نمو تتراوح ما بين 1.5 و2 في المئة العام المقبل، وستتخطى نسبة البطالة 10 في المئة. وفي حال استمر هذا النوع من البطالة لسنوات طويلة، سيتزايد الغضب والقلق وستكون النتائج مأسوية على السياسات الاقتصادية، وبالتالي على الاقتصاد ككل. ومما لا شك فيه ان الخطر سيستمر لسنوات طويلة حتى لو طرأت زيادة 200 ألف وظيفة شهرياً، فهذا يعني ان 12 سنة يجب ان تمر لاستعادة حال التوظيف الطبيعية. لكن ولو سلمنا جدلاً بأن النمو البطيء عبارة عن مشكلة تتطلب رد فعل قوياً، ماذا يمكن العمل إزاء ذلك؟ ان الطريق المثلى لكسر الجمود في الدول الناشئة هو التنويع الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، وتعزيز قوى الإنتاج فضلاً عن تأمين مقومات المنافسة الاقتصادية العادلة كلها. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية