النفط يصعد مع ترقب الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    ترامب يستعد لإطلاق أم المعارك التجارية    المملكة توزّع 467 سلة غذائية في مدينة بيروت بلبنان    والد الإعلامي زبن بن عمير في ذمة. الله    الشباب مستاء من «الظلم التحكيمي الصارخ» أمام الاتحاد في كأس الملك    هيئة العقار تدرس وضع حد لرفع الإيجارات    الرياض تحتضن منتدى الاستثمار الرياضي 2025 الاثنين المقبل    جناح مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في بولونيا يحظى بإشادة الزوار الإيطاليين والمبتعثين    صقر فقد في الأسياح وعثر عليه في العراق    المملكة تدين بأشد العبارات اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى    مرات تحتفل بعيد الفطر بالعرضة السعودية والأوبريت والألعاب النارية    معايدة خضيراء بريدة.. أجواء من الفرح والاكلات الشعبية والألعاب التراثية    الصحة العالمية: كل فرد مصاب بالتوحد هو حالة فريدة بذاته    السفير الرقابي يقيم حفل استقبال ويشارك رئيس الجمهورية بصلاة عيد الفطر المبارك    أمطار رعدية وزخات من البرد ورياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة    فاطمة الفهرية التي أسست أقدم جامعة في العالم؟    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    خالد عبدالرحمن يشعل أولى حفلات العيد بالقصيم    مجمع الملك سلمان للغة العربية يُطلق برنامج "شهر اللغة العربية" في إسبانيا    عقد قران المهندس أحمد حسن نجمي على ابنة محمد حمدي    المملكة ترحب بتوقيع طاجيكستان وقرغيزستان وأوزباكستان معاهدة الحدود المشتركة    الخواجية يحتفلون بزواج المهندس طه خواجي    المملكة: حماية الأطفال في الفضاء السيبراني استثمار استراتيجي    القادسية والرائد للبحث عن بطاقة التأهل الثانية    محافظ البكيرية يرعى احتفالات الأهالي بعيد الفطر    نواف بن فيصل يُعزّي أسرة الدهمش في وفاة الحكم الدولي إبراهيم الدهمش    رجال أعمال صبيا يسطرون قصص نجاح ملهمة في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد المحلي    ساكا يهز الشباك فور عودته من إصابة طويلة ويقود أرسنال للفوز على فولهام    القيادة تعزي حاكم أم القيوين    مدرب الشباب ينتقد التحكيم عقب الخسارة أمام الاتحاد    العيد يعزز الصحة النفسية    الاتحاد يقلب الطاولة على الشباب ويتأهل لنهائي أغلى الكؤوس    8 دول في أوبك+ تجتمع الخميس وتوقعات ببدء خطة رفع الإنتاج    أخضر الصالات يعسكر في فيتنام استعداداً لتصفيات كأس آسيا    تجربة سعودية لدراسة صحة العيون في الفضاء    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جوارديولا يُعلن مدة غياب هالاند    وادي الدواسر تحتفي بالعيد السعيد وسط حضور جماهيري غفير    إصابة الكتف تنهي موسم «إبراهيم سيهيتش»    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    أكسيوس: ترمب سيزور السعودية مايو المقبل    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    أقصى الضغوط... ما قبل «التطبيع الشامل»    "أمانة الطائف" تنهي استعداداتها لعيد الفطر المبارك    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    جمع مهيب في صلاة عيد الفطر في مسجد قباء بالمدينة المنورة    إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بمحافظة بيشة تُنهي استعداداتها .    مختص ل «الرياض»: 7% يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي خلال الأعياد    محافظ الجبيل يستقبل المهنئين بالعيد ويزور المرضى المنومين    ترامب: لا أمزح بشأن سعيي لفترة رئاسية ثالثة    إنجاز إيماني فريد    نتج عنه وفاتها.. الأمن العام يباشر حادثة اعتداء مقيم على زوجته في مكة    بين الجبال الشامخة.. أبطال الحد الجنوبي يعايدون المملكة    عيد الدرب.. مبادرات للفرح وورود وزيارات للمرضىع    توقعات بهطول أمطار غزيرة على 7 مناطق    العيد انطلاقة لا ختام    الرئيس عون: لبنان دخل مرحلة جديدة بعد عقود من العنف والحروب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراقي عبد الستار ناصر يعبر الأطلسي مهاجراً
نشر في الحياة يوم 19 - 12 - 2010

حاول مغالبة ضعفه الجسدي في قوله بصوت مرتفع: «ما أبغيه من رحيلي هذا هو استعادة صحتي، واستعادة قدرتي على القراءة والكتابة»، لكن القاص والروائي العراقي عبد الستار ناصر يقرّ بأن لا ضمانة معينة ستجعل من هجرته الى مدينة تورنتو الكندية نقطة إصلاح لسيرة من الأخطاء السياسية والفكرية والشخصية ميزت حياته التي بدأت في إحدى البيئات البغدادية الشعبية (محلة الطاطران)، ودفعته الى صعود سريع في مجال الكتابة القصصية على رغم تواضع تحصيله العلمي والدراسي، فهو من كتب عنه مبكراً الراحل غسان كنفاني منوهاً بأسلوبه في كتابة القصة القصيرة، وصادف هذا الصعود ان تزامن مع أزمة قصته «سيدنا الخليفة» التي وضعته بمواجهة الماكينة القمعية للنظام البعثي أوائل سبعينات القرن الماضي، ودفعت به الى زنزانة انفرادية قضى فيها عاماً كاملاً كان سيستمر أياماً طويلة لولا حملة تضامن قوية ومطالبة بحريته كانت بيروت منطلقها ومركزها الفاعل.
وصاحب كتاب «صندوق الأخطاء» يقر بانه كان على «خطأ» حين كتب قصصاً وروايات بدت تمجيداً للحرب التي شنها النظام العراقي السابق على إيران، مثلما يؤكد بأنه عمل على «تصحيح» خطأه ذاك بان خرج الى عمّان أواخر تسعينات القرن الماضي ليكتب روايات وقصصاً ومقالات تكشف «الجوهر القمعي والعدواني» لنظام الرئيس السابق صدام حسين.
ومثلما كان عبد الستار ناصر يدافع عن صدام حسين (مع انه لم يكن بعثياً) في مقالات تتحول لقاءات شخصية مع الرئيس السابق وهدايا مادية قبل أن يتحول الى معارضته، يدافع صاحب «لا تسرق الوردة رجاء» عن رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي، مع انه لا يدافع صراحة عن «التغيير» في العراق الذي حمله الغزو الأميركي عام 2003 وكان يرفض العودة الى بغداد كي لا يبدو ذلك «تأييداً للنظام الجديد»، وحين تتساءل عن هذه المفارقة تجد من يجيبك: أن رئيس الوزراء العراقي منح عبد الستار ناصر عشرة آلاف دينار أعانته على الخروج من أزمته الصحية الخطيرة التي أصابته العام الماضي وكادت فيها جلطة دماغية أن تسكت نبض الحياة فيه، مع انها تركت الى الآن اثارها القاسية في عدم قدرته على تحريك يده اليمنى وهو ما أعاق كتابته ومتعته الشخصية في حمله كتاباً محبباً يقضي وقتاً نافعاً في قراءته.
وفي كتابه «الهجرة نحو الأمس» الذي يمزج بين السيرة الشخصية وشكل النص الأدبي المفتوح يواصل ناصر سيرة «الأخطاء» ابتداء من ولادته «ولدت في محلة ازدحمت بالزنا السرّي» ثم تفاصيل حياته المبددة بين زيجات لم يكن يعرف كيف تبدأ وكيف تنتهي (بينهما زيجتان مع كاتبتي قصة عراقيتين: بثينة الناصري وحالياً هدية حسين)، وفصول مغامراته في نوادي القمار وخسائره المتلاحقة فيها.
سيرة الخسائر يستعيدها ناصر مثلما يستعيد سيرة الأخطاء في كتب كثيرة منذ أن استقر في عمّان «منذ الثالث والعشرين من تشرين الأول ( أكتوبر) 1999 حتى الثالث والعشرين من شباط (فبراير) 2007 نشرت عشرين كتاباً في الرواية والقصة القصيرة والنقد والمسرح» وطاول عبرها مشاعر الانكسار ووحشة العزلة والأثر الثقيل للذكريات «الذكريات ستقتلني في يوم ما، الذكريات مؤامرة كبرى، أنا واحد من ضحاياها»، واعتمدت بأغلبها على شحنات كبيرة من الجرأة التي تبلغ حد الفضائحية أحياناً كما في روايته «على فراش الموز»، ومن هنا حاول التخفيف من الأثر «الفضائحي» عبر إشاراته التوضيحية في أن ما تضمنته الرواية ليس بالضرورة قد عاشه شخصياً، مع انه حقاً كان مثل بطل الرواية «يقفز من حانةٍ إلى حانة، ومن عاشقة إلى معشوقة، من بحر إلى بحر ومن بلد إلى بلد أبعد» وانه (عبدالستار ناصر) كان صديقاً لشخصيات حقيقية وردت في الرواية مثل الشاعر فوزي كريم والقاص والروائي الراحل محمود جنداري والناقد الراحل محسن إطيمش.
وعبد الستار ناصر الذي كتب عن بلاده في قصته «سيدنا الخليفة» المثيرة للجدل «يا بلادي: يا بلاد الذين يموتون سراً، أودعك الآن، فقد أمر الخليفة – سيدنا جميعاً - أن أكون الفدية لكل أسرى الحرب الأهلية التي فشلنا بها. وقد وقعت موافقاً وأنا بكل قواي الجسدية والعقلية، أقلّها يا بلادي أموت وحدي علناً، لتفخر بي حبيبتي كلما احتفلت بعيد ميلادي» لا يستبعد أن تزداد حياته في كندا (هاجر إليها الأسبوع الماضي) كآبة وغربة، بل يعترف بصعوبة أن يكون هناك «وسط مجتمع غريب وثقافة غريبة»، لكنه يصرّ على أمل استعادته قدرة جسدية تترجم حركة في يده يستعيد معها الكتابة وبالتالي قدرة استعادة ما لم يوثقه بعد من سيرة «الأخطاء» و «الخسارات» في حياته المرتبكة وان كانت رفعته الى مرتبة متقدمة في القصة والرواية العراقيتين، علّه بذلك يحقق ما فيه من نداءات مجروحة الى بلاده «في بلدي نحتاج الى أن نصرخ على عشرات السنين التي ذهبت سدى، أن نصرخ وربما أن نبكي على خسائرنا التي لا حدود لها».
ناصر (63 سنة) الذي يعد نفسه «أخطر قاص في العالم العربي حيث أن من يعاني عذاب السجن بسبب قصة فلن يعود الى كتابة القصة مثل ما فعلت وواصلت» وعرف بوسامة ربطت بين كتبه الأكثر انتشاراً في عراق الثمانينات «أوراق امرأة عاشقة»، «أوراق رجل عاشق»، و «أوراق رجل مات حياً» حد انه يفخر أحياناً بلقب «كاتب الحب والعشق والجنس والمرأة»، ما انفك يرى أن القصة القصيرة فن كتابي سردي قادر على الإحاطة بالنفس البشرية في صعودها وتقهقرها على رغم الحضور الطاغي للرواية، وعلى رغم انه كتب روايات كثيرة إلا أن حنيناً خاصاً لا يزال يأخذه الى القصة القصيرة مجالاً كتابياً برز فيه بامتياز، ومن هنا جاءت مجموعته الأخيرة «نخب النهايات السعيدة» وفيها تأكيد على صورته الأثيرة ككاتب قصة قصيرة: «أنا كاتب قصة، لم أزل أنظر إلى الرواية على أنها حفنة قصص وحكايات، أو كما يقال عن الأسد بأنه مجموعة خراف مأكولة، لكنني، مع الرواية، أفترس الجمل الثقيلة، وأجعل منها مفردات ناعمة وأنيقة، وما زلت على يقين أن الكتابة تحتاج إلى ذاكرة ثاقبة عندما نكتب الرواية، وتحتاج إلى ذاكرة حساسة حينما نكتب القصة القصيرة».
اليوم وإذ يبدأ عبد الستار ناصر هجرته عبر الأطلسي ليقيم في كندا آملاً خيراً، يبدو متردداً من مواجهة سؤال «كيف بي سأكتب وأنا خارج بيتي في بغداد»؟ لكنه كان السؤال ذاته الذي واجهه حين قرر الإقامة في عمّان، غير انه كان حينذاك بقلب فتي وآمال برحلة لتصحيح «الأخطاء» فيما يبدو اليوم أسير الشجن العميق وهو يمضي الى مكان غريب عله يمنحه الفرصة لنسيان مكانه الأول الذي منحه مجد الكتابة لكن أورثه جسداً مفخخاً بالجلطات القلبية والدماغية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.