يتجه متطوعون إلى تأسيس رابطات جماعية ومبادرات شخصية تحت إطار ما يسمى «الرابطات الخضراء»، التي تهدف إلى تشجيع زراعة وإكثار النباتات ذات الاستهلاك المائي المحدود والإكثار منها في مختلف مناطق المملكة، وإظهار أهميتها الاقتصادية والبيئية، فضلاً عن المساهمة في المحافظة على الموارد الطبيعية وإعادة تأهيلها، وتقديم الخدمات الإرشادية والتعاون مع جمعيات أخرى في توفير البذور والنباتات الصحراوية، إضافة إلى المشاركة في تشجيع المشاتل لتوفير البذور والشتلات وإفساح المجال أمام أسر منتجة في هذا الإطار، وتنظيم ندوات تثقيفية وورش عمل بالتنسيق مع المراكز البلدية وإداراتها، والاستعانة بتلامذة المدارس لغرس الشتلات الصحراوية ضمن الأنشطة اللاصفية. حراك ضخم تتبنّاه هذه الجمعيات والرابطات الأهلية لمدّ بساط أخضر يلف أطراف السعودية الشاسعة وأجزاءها الواسعة في ظل ما تعانيه المملكة تحديداً من حاجة ماسة إلى غطاء نباتي، وما تواجهه أشجارها البرية من عملية ممنهجة للإزالة والإهمال. وعلى رغم تطوّر وسائل الري واكتشاف نباتات عدة تتلاءم ظروف نموها مع مناخ السعودية وتربتها، إلا أن الغطاء النباتي بدأ بالتراجع في الأعوام الأخيرة، فعند مقارنة المدن السعودية في ثمانينات القرن ال20 بما نراه اليوم، نلمس تراجعاً ملحوظاً في المساحات الخضراء، وهو أمر خطر يجعل من العيش في المدن الصحراوية الحارة أشدّ صعوبة. وتواجه السعودية مثل غيرها ظاهرة التصحّر، وهو تدهور المناطق شبه الجافة أو شبه الرطبة، ما يؤدّي إلى فقدان الحياة النباتية والتنوّع الحيوي فيها. وتتنوّع أسباب التصحّر ما بين طبيعية، مثل قلة هطول الأمطار، وأخرى من صنع يد الإنسان، كإزالة الغطاء النباتي وزيادة التوسّع العمراني، وهي الأكثر تأثيراً في طبيعة الحال، ما زاد من كميات المياه المتبخّرة من التربة، تاركة الأرض جافة صلبة غير صالحة للزراعة، رافعة من نسبة حدوث العواصف الرملية التي أصبحت تعاني منها المملكة أخيراً. ويُعدّ الاحتطاب أحد أكثر الطرق تدميراً للغطاء النباتي في السعودية. وعلى رغم منع وزارة الزراعة الاحتطاب المحلي أو بيعه نهائياً، واعتباره جريمة تُوجب العقاب، وفتحها في المُقابل الباب لاستيراد الحطب ودعمها للمستوردين بقروض ومعونات مالية، فإن كثراً لا يزالون يعتمدون الاحتطاب بعيداً من أعين السُلطات، ما يوضح غياب الوعي بأخطار التصحّر الذي تعيشه المملكة. كما أن آخرين يعتبرون انتهاج سلوك المحافظة على البيئة والتشجير لتكثيف الغطاء النباتي ومنع الاحتطاب شكلاً من أشكال الترف، متجاهلين خطورة ما نمر به من تلوّث قد يكون أشدّ فتكاً بنا من الحروب والإرهاب. وفي سبيل ذلك تتبنّى رابطات وجمعيات مدنية مسؤولية حل هذه المعضلة عبر المبادرات النوعية التي ينشط خلفها محبو البيئة وعشاق المساحات الخضراء النابضة بالحياة. ويفوق عدد الرابطات في المملكة ال50 رابطة، وقد أصبحت وجهة مفضلة للمهتمين والشغوفين بالمناطق الخضراء، وتعوّض عن غياب جهات رسمية. وقد حصلت هذه الرابطات على اعتراف ضمن مشروع وزارة البيئة والمياه والزراعة لغرس مليون شجرة هذه السنة في أكثر من 20 موقعاً في أنحاء المملكة، ضمن جهود إعادة تأهيل الغطاء النباتي الطبيعي للبيئة المحلية، بمشاركة مهتمين ومتطوعين ورابطات المدن الخضراء. وأوضحت الوزارة المعنية أن جهودها في تعزيز الغطاء النباتي تعتمد في شكل أساس على طرق ري لا ترهق مخزون المياه الجوفية في المملكة، مثل تقنيات تجميع الأمطار ومياه الصرف المُعالجة التي خطت فيها الوزارة خطوات متقدّمة، مؤكّدة دور الجمعيات التطوعية والرابطات الخضراء والناشطين في أعمال التشجير في نشر الوعي البيئي وتعزيز ثقافة المحافظة على البيئة واستزراع النباتات المحلية. عبدالمجيد الحجيلي من «رابطة مكة الخضراء»، أوضح ل «الحياة» أن «أولى مبادرات الرابطة توزيع 10 آلاف شتلة حتى نهاية فصل الربيع. وأنشئ حساب على «تويتر» يروّج للحملة ويتلقى الطلبات لمن يريد الحصول على شتلات مجانية. وتوقعنا استقبال عشرات الطلبات كل أسبوع، لكننا تفاجأنا بأعداد كبيرة وردتنا خلال أيام على إطلاق الحملة، بلغت 350 طلباً». وزاد: «أبرز التحديات التي واجهتنا كان توفير الشتلات الزراعية بأقل سعر ممكن وبكميات كبيرة. في البداية لم نجد تجاوباً من أصحاب المشاتل لدعم الفكرة بخفض الأسعار، إلى أن وجدنا ضالتنا عند أحد أصحاب المشاتل شمال مكة الذي قدّم لنا دعماً في الأسعار والكميات. أما التحدي الآخر فكان في آلية توزيع الشتلات على أصحاب المنازل في أحياء مكة المتفّرقة، إذ يتطلّب الأمر جهداً كبيراً ويستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً مع عدد الطلبات الكبير الذي أنهال على الرابطة منذ بدء الحملة». وتمنّى الحجيلي تعاون المواطنين مع الرابطة في تحقيق هدفها عبر الاهتمام الشخصي، وحضّ من حولهم لبناء جيل يهتم بالأرض والزرع، لا سيما وأن «ثقافة التشجير نابعة من صميم ديننا الإسلامي الذي يحث على الاهتمام بالأرض وتنميتها».