للقطاع الخاص قصة غريبة مع الشاب السعودي أشبه بعلاقة بين طرفين، أحدهما يحمل حُباً مشوهاً، لكون هذا الحب جبرياً لظروف البطالة والفقر والخوف من مستقبل مجهول ومضي السنين بلا عائد، والطرف الآخر يُظهر الود والاحتفال والاحتفاء واحترام العلاقة والاستعداد بالتضحية، ولكن مظاهره هذه تباع بثمن بخس وتصبح شكليات خوفاً من أنظمة قد تسبب إزعاجاً لبعض الوقت، فيتم إسكاتها بأوراق مشابهة تحمل تسمية «موظف سعودي». تنعقد الجلسات ويحتدم الجدل وتتوزع النقاشات لتدور وتدور في حلقة واحدة، ما دام التركيز كله منصباً على دائرة الملعب من دون الاهتمام بتسجيل الهدف، والمختصر المفيد يقول إن لعزوف الشباب عن القطاع الخاص سببين واضحين نهرب منهما وسنعود إليهما. ما الذي يَدفَع الشباب المؤهل لأن يهرب من الانضمام للقطاع الخاص؟ ويضيع وقته في البحث عن بديل، ولأكن أكثر تفاؤلاً سأقول ما الذي يجبره على تحاشي هذا القطاع بعيداً من قسوة مفردة الهروب! هذا السؤال الأكثر صراحة حين يصطدم الطرح مع القطاع الخاص، لأعود ببساطة متناهية، وأضع السببين هنا على السطر تاركاً من يريد الإبحار في التفكير والمشاركة في الرأي وإضاعة اللقاءات والحوارات للتأمل والتداخل ولن أسلب منه شيئاً. السببان: ضعف الراتب «العائد المالي من الوظيفة»، وغياب الأمان والأمن بالنظر إلى مستقبل مخيف، اثنان لا ثالث لهما متكرران ومعلومان، يغيب عن كل مسؤول في القطاع الخاص أن احتواءه للشاب الطموح احتواء لأسرة كاملة، وتقليص غير مباشر لمعدلات الجريمة والبطالة والتسول والأمراض النفسية، وأن منحه لراتب شهري كافٍ وأمان يزيد رزقه بدعاء الغيب، ويضع الشاب بلا هواجس تفكير ولا مشكلات أسرية ولا نوبات خوف وقلق وضغط، ولكن أن تعرفوا الجرح الكبير الذي يخفيه موظف في قطاع خاص يعمل ل12 ساعة ويقوم بكل شيء من أجل 2000 ريال تزيد أو تنقص قليلاً، تهبط عليه بالتقطير شهراً وشهوراً يقف في طابور انتظارها مع أفواهه الجائعة الصابرة؟ العلاقة المتبادلة بين الشاب والقطاع الخاص علاقة متواصلة لا يمكن أن تنقطع تحت تزايد المعاناة والظروف القاهرة الصعبة، وضآلة الوظائف الحكومية، وتقصير وزارات الدولة المعنية في استحداث الوظائف وشغلها بمن يستحق وينتظر. يستحيل أن يخرج خصام الشاب السعودي مع القطاع الخاص عن السببين السابقين ولن يحتاج تنفيذهما غير تقوية القلوب حين تلتفت للجيوب، ومضاعفة روح المواطنة والفهم المتواصل أن الزائد البسيط في الراتب سيذهب لجسد طفل أو طفلة، وسيغني عن ذل سؤال وتمزيق ثوب وإراقة ماء وجه. يتحدث صديق له علاقة بهذا الشأن قائلاً يا صديقي مشكلتنا كقطاع خاص أن الشاب السعودي يأتي للمكان من أجل تمضية وقت ومحطة عبور لمشوار آخر، قلت له صدقت، ولكن لم يضعه في هذه الخانة إلا الراتب الضعيف الضئيل، وخطابات الإقالة والاستغناء التي تمطر كل ما قوي العود أو شب واحد عن الأقران جهداً واجتهاداً، لقمة العيش التي تشجع شبابنا السعودي وترفع رأسهم هي المهم في مسلسل العيش، وليس ملزماً كباحث عن عمل أن يستسلم لشجرة لا تظلل وهو يتعب من أجلها ويمنحها عرق الجبين، وتستنزف منه أجمل العمر، الشاب يريد راتباً يأكل منه ويرتب به نفسه، ويضعه إنساناً متوازناً بوظيفة ثابتة لا تطرده فجأة، بل تقف معه في أي لحظة وتضمه لها، ولا أظن هذا مستحيلاً على من في قلبه مواطنة خالصة، ويتحسس قسوة أن يظلم شاب سعودي أو تستغل ظروفه! [email protected]