لم يعتد المصريون إنشاء «كيانات موازية» للمؤسسات الشرعية، لكن الخلافات بين الحكم والمعارضة التي خلفتها انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) تمخضت عن أفكار جديدة يستغربها كثيرون في المجتمع المصري مثل «البرلمان الموازي» الذي أعلن معارضون خاسرون في الانتخابات الأخيرة عزمهم على تشكيله، ما أثار موجة من الانتقادات من قبل الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم وحالة من الحراك في صفوف المعارضة لحسم أمرها بخصوص المشاركة في هذا الكيان الوليد أم البقاء خارجه. وكان نحو 100 من نواب مجلس الشعب السابق الذين اتهموا الحزب الوطني بتزوير نتائج الانتخابات الأخيرة لاسقاطهم فيها، أعلنوا قبل أيام عزمهم على تشكيل «برلمان موازٍ» لمناقشة مشاريع القوانين التي تعتزم الحكومة التقدم بها للبرلمان وطرح رؤاهم لتطوير الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر. وقوبلت هذه الفكرة بانتقادات شديدة من الحزب الحاكم الذي اعتبرها «خروجاً عن الشرعية الدستورية» وهدد بمواجهتها بحزم، غير أن مؤسسي «البرلمان الموازي» لا يعتبرونه كذلك ويرونه «تجمعاً لبرلمانيين يمثلون ملايين المصريين أُسقطوا بالتزوير». ووصف وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية الدكتور مفيد شهاب هذا التحرك بأنه «غير قانوني». وقال لبرنامج «كلام مسؤول» الذي بثّه التلفزيون الرسمي المصري إن هذا الموقف يعبرّ عن «موقف سياسي يحمل عدم الجدية». لكن النائب السابق الناشط السياسي مصطفى بكري قال ل «الحياة» إن البرلمان الموازي سيفرض نفسه في شكل جدي على المشهد السياسي في مصر، مشيراً إلى أن النواب السابقين عاكفون الآن على مناقشة هيكليته ومهماته المستقبلية. وأضاف: «نسعى إلى تشكيل برلمان حقيقي من رموز المعارضة والمستقلين الذين اسقطوا لحسابات سياسية، فالبرلمان الحالي لا توجد به معارضة حقيقية، ومن ثم ستقول المعارضة كلمتها وستواجه مشاريع القوانين التي ستطرحها الحكومة من خلال البرلمان الموازي، وآلياتنا في ذلك الإعلام وقوى المجتمع المدني، لفضح زيف ما تقدمه الحكومة من قوانين». ولا يعتبر بكري البرلمان الموازي خروجاً عن «الشرعية الدستورية» فالأمر لا يعدو كونه «تعبيراً عن الرأي في إطار مشروع، نسعى إلى إخراجه إلى النور في إطار قانوني، وما زلنا نناقش السبيل إلى ذلك، ولذا شكلنا لجنة تأسيسية لدرس الأمر». لكن الوزير مفيد شهاب يرفض فكرة التركيز على الأشخاص الذين خسروا في الانتخابات ويرى أن «الأهم والأبقى هو الأحزاب السياسية». وأوضح شهاب أنه «كان يفضّل أن يكونوا (النواب الخاسرين) أكثر جدية، فتجتمع الأحزاب وتناقش وتعترف بالايجابيات والسلبيات والتجاوزات التي وقعت (في العملية الانتخابية) وتساهم في الإصلاح والتغيير». وفي حين يرى بكري أن فكرة البرلمان الموازي هي «أولى خطوات النضال ضد التزوير في الانتخابات»، ويؤكد «أننا سنظل نناضل إلى أن يستجيب الرئيس (حسني) مبارك طلب حل البرلمان وإجراء انتخابات حرة بعيدة من التزوير»، يرفض الوزير مفيد شهاب ما يعتبره مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، ويشدد على ضرورة أن «تكون الغاية مشروعة، والوسيلة كذلك مشروعة، فأي وسيلة غير مشروعة لا يمكن قبولها ولا يمكن أن يكون لها أي سند قانوني أو معنوي». ولم تحز فكرة «البرلمان الموازي» إجماع قوى المعارضة، فحزب الوفد لا يزال متردداً في استضافة مقر هذا البرلمان (قال بكري إن هناك محادثات مستمرة مع الوفد في هذا الصدد). كما أن جماعة «الإخوان المسلمين» لم تحسم أمرها بخصوص المشاركة فيه. وقال نائب المرشد العام للجماعة الدكتور رشاد بيومي ل «الحياة» إن الجماعة لم تتخذ قراراً بعد في هذا الصدد، متسائلاً: «ماذا يفعل برلمان موازٍ مع قوات الأمن؟ فهل يصلح كلام السياسة في التعامل مع العصا والخوذة؟ (...) هل يصلح البرلمان الموازي للتعامل مع تطورات الحياة السياسية في مصر؟ إنها فكرة في غاية الغرابة». في غضون ذلك، يُلقي الرئيس حسني مبارك غداً خطاباً سياسياً وصف بالمهم أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) لمناسبة بدء الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب. ومن المنتظر أن يتضمن خطاب الرئيس تكليفاته للحكومة والبرلمان بمجلسيه حول أهم التشريعات التي يبحثها البرلمان خلال هذه الدورة البرلمانية وضرورة الالتزام بالبرنامج الانتخابي للحزب الوطني. مؤتمر الحزب الوطني في غضون ذلك، كثّف الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر من نشاطه استعداداً لمؤتمره السنوي السابع المقرر أن يلتئم السبت المقبل ويستمر لمدة ثلاثة أيام. ومن المقرر أن يلقي خلاله الرئيس حسني مبارك كلمة افتتاحية يُتوقع أن تركّز على أهم القضايا المثارة داخلياً بعد عاصفة الانتخابات البرلمانية التي أجريت نهاية الشهر الماضي. وتعقد هيئة مكتب الأمانة العامة للحزب اجتماعاً خلال أيام برئاسة الأمين العام للحزب صفوت الشريف لدرس الأمور الحزبية والتنظيمية قبل انطلاق المؤتمر وإقرار جدول أعماله. كما تُعقد سلسلة من الاجتماعات الأخرى بين أمانة السياسات برئاسة أمينها جمال مبارك وعدد من الوزراء لمناقشة المشاريع والأفكار التي سيطرحها المؤتمر. وأشار صفوت الشريف إلى أن المؤتمر السنوي سيعرض «لتفاصيل التعهدات التي تؤكد سياسات النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية بهدف الارتفاع بمستوى معيشة غالبية المواطنين وتحسين جودة حياتهم»، مضيفاً «أن المؤتمر سيناقش التشريعات اللازمة لتنفيذ تعهدات الحزب في الدورة التشريعية المقبلة وأبرزها قانون التأمين الصحي والاجتماعي وقانون إدارة أصول قطاع الأعمال العام وقانون منظومة إدارة أراضي الدولة وقانون الوظائف المدنية». ولفت إلى أنه سيتم خلال المؤتمر تأكيد «علاقات التنسيق والتعاون بين الحزب والحكومة لتحديد خطط العمل وأولويات تنفيذ البرامج وفقاً للتعهدات التي التزم بها الحزب في برنامجه الانتخابي، وذلك في ضوء سلسلة الاجتماعات التي تعقد بين أمانة السياسات والوزراء المعنيين بالقضايا الخدمية والجماهيرية». وأكد الأمين العام للحزب الوطني في تصريحاته أمس أن مؤتمر الحزب «ينطلق من أن الغالبية الساحقة التي سجّلها الحزب الحاكم في الانتخابات الأخيرة هي أمانة ومسؤولية»، مؤكداً أن أعضاء الهيئة البرلمانية «سيتحملون تلك الأمانة بكل شرف واقتدار». وأضاف أن الحزب وحكومته «سيواصلان الجهد والعمل لإثبات أن ثقة الشعب كانت في محلها، وأن الحزب الوطني سيظل دائماً قريباً من آمال المواطنين واحتياجاتهم، وأن سياساته دائماً مع مصالح الغالبية الشعبية، وتهدف إلى الارتقاء بمستوى معيشة وحياة المواطنين وتوفير المستقبل الآمن». ومن المقرر أن يستعرض الشريف في بداية المؤتمر التقرير السنوي للأمين العام الذي يعرض فيه ما حققه الحزب خلال السنة الحزبية الماضية وأهمها انتخابات مجلس الشعب والتجديد النصفي لمجلس الشورى والخطة الحزبية السنوية الجديدة. كما يستعرض أمين السياسات في الحزب جمال مبارك أهم ملامح السياسات التي سيتبناها الحزب خلال الفترة المقبلة، وما تم تحقيقه خلال العام الماضي.