تزودت أوروبا بآلية دائمة للاستقرار المالي تستخدمها بعد انتهاء صلاحية الآلية الموقتة عام 2013، إذ أقرت القمة الأوروبية التي اختتمت أعمالها في بروكسيل أمس، انشاء صندوق دائم للاستقرار المالي. وعقّب رئيس المجلس الأوروبي رئيس القمة هيرمان فان رومبوي على قرارات القمة بالقول «إنها تعكس تغيراً جوهرياً وتؤكد عزم دول الاتحاد على اتخاذ الإجراءات اللازمة ووضع موارد مالية كافية لضمان الاستقرار المالي لمنطقة اليورو والاتحاد ككل». وقابلت أسواق المال مقررات القمة بهدوء حذر، لأسباب تعود إلى تدخل المصرف المركزي الأوروبي لشراء عدد كبير من السندات أخيراً. واستبعدت القمة من جهة أخرى حسم النقاش حول اقتراح إصدار دول منطقة اليورو سندات مشتركة بالعملة الموحدة لمواجهة ضغط أسواق المال على الدول التي تعاني ارتفاعاً كبيراً في الديون السيادية. وأكد قادة الدول والحكومات الأوروبية استعدادهم ل «القيام بكل ما هو ضروري لضمان استقرار منطقة اليورو». واتفقوا عملياً على تعديل معاهدة لشبونة، بما يمكّن من إقامة صندوق مالي دائم قادر على التدخل لتحصين منطقة يورو ضد العواصف المالية. وأكدوا في البيان النهائي «السماح في المستقبل للدول الأعضاء في منطقة اليورو بإنشاء آلية استقرار يتم تفعيلها في حال تبين ان ذلك ضروري لضمان استقرار اليورو». وقال رومبوي ان «القرارات التي أصدرتها القمة في شأن الاستقرار المالي تخدم أغراض الاندماج الداخلي والحوكمة الاقتصادية، ويمتلك الاتحاد آليات كافية وبإمكانه وضع أدوات إضافية لتعميق الاندماج الاقتصادي داخل منطقة اليورو». وستُعدّل المعاهدة من دون المخاطرة بتكرر محنة رفض الإرلنديين معاهدة لشبونة. وتحدد كل من دول الاتحاد الصيغة الدستورية المناسبة بما يؤهلها للمشاركة في إنشاء الصندوق الدائم للاستقرار المالي في 2013 والذي سيحل محل الآلية الموقتة الجارية التي قدمت إلى حد الآن ائتمانات مصرفية بقيمة 110 بلايين يورو لصالح اليونان و85 بليوناً لصالح إرلندا ووفرت عليهما التدين من أسواق المال. وكان رومبوي استبق افتتاح أسواق المال مؤكداً إجماع زعماء الاتحاد على القيام بما يلزم من أجل تأمين الاستقرار المالي لمنطقة اليورو. وذكر بأن الاتحاد يمتلك موارد مالية كافية لتحصين منطقة اليورو. وقال ان «أربعة في المئة فقط من موارد صندوق الاستقرار المالي لمنطقة اليورو تم استخدامها لمساعدة اليونان وإرلندا». وشدد على ان الاتحاد «سيقوم بكل ما هو ضروري من أجل ضمان الاستقرار المالي لليورو». وذكر رئيس المفوضية خوسيه مانويل باروسو بأن البرتغال «اتخذت إجراءات مهمة لخفض عجز الموازنة العام المقبل ووضعت خطة إصلاحات هيكلية طموحة». وكانت دول الاتحاد توصلت في الربيع الماضي، بعد عناء شديد وانقسامات حادة بين ألمانيا وغالبية شركائها الذين يعانون صعوبات مالية شديدة، إلى وضع آلية إنقاذ مالي موقتة بقيمة 440 بليون يورو في شكل ائتمانات مصرفية ينتهي العمل بها في منتصف 2013، وذلك في إطار إجراء اشمل قيمته 750 بليون يورو يشمل الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي. وأوصت القمة الأوروبية أمس وزراء المال ب «وضع تفاصيل إقامة الصندوق المستقبلي الدائم». لكنها تحفظت عن تحديد قيمة الائتمانات المصرفية المزمعة. وقال رئيس وزراء لوكسمبورغ رئيس مجموعة اليورو جان كلود يونيكر ان «القرار الذي اتخذ هو عدم توسيع أو زيادة حجم الأموال التي تحت تصرف صندوق الاستقرار المالي الأوروبي». وأفاد مصدر في الوفد الفرنسي بأن «القضية ليست مطروحة حالياً ولكن هناك استعداد تام لزيادة حجم الصندوق إذا كان ذلك ضرورياً، وبالقدر الذي يكون فيه ضرورياً». كما استبعدت القمة حسم النقاش حول اقتراح إنشاء «سندات أوروبية» أي عمليات إقراض حكومية مشتركة للتضامن في الأخطار بين الدول ولحماية الدول الأضعف. وقال رومبوي: «هناك أفكار كثيرة على الطاولة لكنها لم تنضج بعد». ويعكس التحفظ رفض ألمانيا مسايرة الفكرة لأن من شأنها زيادة الأعباء المالية التي تتولاها على الصعيد الأوروبي حيث تمثل أكبر اقتصاد في الاتحاد. وفي المقابل رأى رئيس الوزراء البلجيكي ان «الفكرة تشق طريقها، وهي عنصر لا غنى عنه وسيرى النور». وتزامنت نقاشات القمة الأوروبية مع هدوء حذر في أسواق المال يعود بالخصوص إلى تحرك المصرف المركزي الاوروبي الذي يشتري في شكل كثيف سندات البلدان الهشة في منطقة اليورو. ولطمأنة المتعاملين حول قدرته على مواجهة الوضع، قرر المصرف الخميس مضاعفة موازنته لتبلغ 10,76 بلايين يورو. واكتفى رئيس المصرف المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه المؤيد لرفع رأس مال صندوق الإنقاذ الموقت عند الضرورة، لدى مغادرته الاجتماع بالقول إنه بلغ رسائله للمشاركين. وأعلنت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني ، خفض تصنيف إرلندا خمس درجات من «AA2» إلى «BAA1»، بسبب تصاعد الشكوك في شأن اقتصادها وتراجع متانتها المالية. وبررت «موديز» قرارها بارتفاع كلفة إنقاذ المصارف الإرلندية التي تمت مراجعتها لترتفع في شكل كبير في الخريف، مؤدية إلى ارتفاع كبير في العجز العام الإرلندي ليبلغ نسبة 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. كما أشارت الوكالة إلى تزايد الشكوك التي تحيط بآفاق النمو في إرلندا، خصوصاً بسبب إجراءات التقشف التي أعلنتها دبلن في مقابل خطة مساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. كما أعربت «موديز» عن قلقها لتدهور مستوى مديونية البلاد الناجمة عن ارتفاع عجز موازنتها. وهي تتوقع ان يقفز حتى 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013 في مقابل 66 في المئة العام الماضي قبل ان يستقر مجدداً. وتصنيف «BAA1» هو الثامن في سلم «موديز» الذي يضم 21 مستوى. ويعني هذا التصنيف ان إرلندا بلد من مستوى متوسط في قدرتها على الاقتراض، غير انه قادر على الوفاء بالتزاماته بطريقة ملائمة. وأرفق التصنيف الجديد لإرلندا مع آفاق سلبية، أي ان «موديز» تستبعد خفض التصنيف مجدداً على الأمد المتوسط.