إنها المرة الأولى منذ أكثر من ثلاثين سنة تشهد فيها العاصمة الإيطالية روما أحداث شغب ومواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوات الشرطة. واشتبك متظاهرون مع رجال الشرطة الذين حاولوا تفريق المتظاهرين بإطلاق القنابل المسيّلة للدموع، ما أدى إلى الاشتباك بين الطرفين وانتهى إلى جرح ما يقرب من أربعين متظاهراً وستين من رجال الشرطة. وأعادت هذه الأحداث إلى الأذهان ما وقع في مدينة جنوى عام 2001 في عهد حكومة سيلفيو بيرلوسكوني الثانية، عندما انهال رجال الشرطة على المتظاهرين بالضرب المبرح وانتهت الأحداث بقتل أحد المتظاهرين برصاص شرطي. وكانت التظاهرات في روما انطلقت في شكل تلقائي الأربعاء، وضمت آلافاً من الطلبة والعمال الموقتين والعاطلين من العمل الذين كانت نيتهم التوجّه إلى مجلس الشيوخ الإيطالي في مركز العاصمة للاحتجاج على سياسات الحكومة الاقتصادية والتعليمية، إلّا أن «الجدار السميك» الذي ضربته الشرطة أمام المسيرة أتاح الفرصة لأفراد من متطرفي «بلاك بلوكس» المعروفين بتوجهاتهم الصدامية ورغبتهم الشديدة في اختلاق المواجهات مع الشرطة، ما حرف مسار التظاهرة الاحتجاجي عن المنحى السلمي. ووجّهت رئيسة نواب الحزب الديموقراطي المعارض آنّا فينوكيارو، أصابع الاتهام إلى «بلاك بلوكس»، معتبرة إياهم «مدفوعين لتحريف الاحتجاجات ولتبرير ردة الفعل العنيفة من قبل القوى الأمنية ضد المتظاهرين». وتأتي هذه الاحتجاجات بعد يوم واحد من نجاة حكومة بيرلوسكوني الحالية من الانهيار في التصويت ضد الثقة لها في مجلس النواب، وذلك بفارق ضئيل للغاية. واتهمت المعارضة اليسارية والوسطية واليمينية المنشقة عن بيرلوسكوني، رئيس الحكومة بأنه «لم يعد يمتلك الحق في البقاء في الحكم» وأن «عليه أخذ الواقع الجديد بعين الاعتبار وتقديم استقالته». وكانت مصاعب بيرلوسكوني بدأت بعدما انفضّ من حوله حلفاؤه السابقون بزعامة رئيس مجلس النواب جانفرانكو فيني الذي أسس حزبه الجديد تحت اسم «المستقبل والحرية». وعلى رغم تمكنه من استمالة اثنين من مجموعة فيني إلى جانبه في اللحظات الأخيرة التي سبقت التصويت، فإن بيرلوسكوني يُدرك صعوبة الوضع واحتمال تعرّض حكومته للسقوط في أي لحظة، لذا يسعى إلى توطيد تحالفه ومحاولة استمالة حزب الوسط المسيحي بزعامة رئيس مجلس النواب السابق بيير فيرديناندو كازيني. إلّا أن هذا الاحتمال يبدو ضئيلاً بسبب اعتراض حزب كازيني على الكثير ممّا تُطالب به «رابطة الشمال» الانفصالية، الحليف الوحيد الذي بقي لبيرلوسكوني. وتشير التكهّنات إلى احتمال حل البرلمان والتوجّه إلى صناديق الاقتراع في الربيع المقبل، أي قبل إكمال حكومة بيرلوسكوني الحالية سنتها الثانية.