عاشت تركيا على أعصابها الليل الأطول منذ تاريخ الجمهورية، مع الاختلاف الذي تصدّر النتائج الأولية للاستفتاء المصيري على التعديلات الدستورية المقترحة من جانب معسكر الرئيس رجب طيب أردوغان للتحول إلى نظام رئاسي واسع. وفوجئ الأتراك بوسائل إعلام موالية للحكومة تخترق الحظر المفروض على نشر نتائج مبكرة، وتتحدث عن تأييد بنسبة 65 في المئة من الأصوات لمصلحة ال «نعم» للتعديلات. وأتت هذه النتائج بمثابة توقعات إذ نشرت في وقت لم يكن الفرز تجاوز نسبة ال20 في المئة من الصناديق، علماً أن الإعلان المبكر عن نسب يناقض الحظر الذي فرضته الهيئة العليا للانتخابات، الجهة الوحيدة المخولة بنشر نتائج. وبدت وكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية أكثر واقعية، إذ أشارت إلى فوز مشروع التعديلات بنسبة 51.32 في المئة في مقابل 48.68 رفضوه، مشيرة إلى أن هذه الأرقام تأتي بعد فرز 98.63 في المئة من البطاقات في أنحاء البلاد. وبدت النتائج الأولية مفاجئة إذ تضمنت ارتفاع نسبة الموافقة على النظام الرئاسي خصوصاً في جنوب شرقي تركيا ذي الغالبية الكردية إلى ما يقارب ال70 في المئة، علماً أن استطلاعات الرأي أجمعت على أن ال «نعم» هناك لن تتجاوز ال50 في المئة. تزامن ذلك مع تقارير عن عنف انتخابي في المنطقة ذات الغالبية الكردية، إضافة إلى تجاوزات عدة سجلت في أنحاء البلاد، من بينها اقتراع أنصار أردوغان بأكثر من بطاقة في آن. كذلك أتت النتيجة الأولية في محافظة هاطاي ذات الغالبية العربية والعلوية المجاهرة بالمعارضة لأردوغان صادمة، بعدما أفادت وسائل الإعلام الموالية بأن نسبة تأييد التعديلات هناك بلغت 70 في المئة أيضاً. وعلى الفور أصدر حزب الشعب الجمهوري المعارض، بياناً حمّله نبرة تحذير، ونبّه فيه من «حملة نفسية تمهيداً لتلاعب ما في الأرقام النهائية»، مشيراً إلى أن النتائج التي جمعها مبدئياً من خلال مراقبيه في مراكز الفرز، تفيد بتقدم معسكر ال «لا» في عموم تركيا بنسبة 50.8 في المئة. قال اردال اكسونجور نائب زعيم الحزب، أكبر أحزاب المعارضة، إن المعارضة ستطالب بإعادة فرز ما يصل إلى 60 في المئة من الأصوات بعد «ممارسات غير قانونية» تتم في صالح الحكومة. ولفت الانتباه وصول نسبة دعم الناخبين المقيمين في أوروبا، وخصوصاً في ألمانيا وهولندا لمشروع أردوغان إلى أكثر من 70 في المئة، ما يشير إلى استفادة الحكومة من التوتر الذي حصل الشهر الماضي مع هاتين الدولتين وانتهى فجأة قبل نحو أسبوعين. وبدا غريباً أن محافظات تأثرت بقوة من الملف السوري والجماعات المسلحة، دعمت المشروع الرئاسي، مثل مدينة أورفا وعنتاب وكيليس، فيما ارتفعت أصوات «لا» في هاطاي في اللحظات الأخيرة. وشدد حزب الشعب الجمهوري على تحذيرات للهيئة العليا للانتخابات من بطاقات غير ممهورة تحمل شبهة أن صاحبها أحضرها من مكان آخر، وعددها غير معلوم. وقال النائب في الحزب أوطكو شاكر ل «الحياة»، إن «هذا الأمر سيكون خطراً جداً»، مؤكداً أن النتائج التي حصل عليها الحزب من مصادره الخاصة، تؤكد رفض المشروع الرئاسي بفارق ضئيل. وتنفرد الحكومة من خلال وكالة أنباء الأناضول في الإعلان عن النتائج وتوزيعها بالتعاون مع الهيئة العليا للانتخابات، فيما ترسل المعارضة مراقبين يتابعون عملية الفرز ويبلغون حزبهم مباشرة بالنتيجة. وسارعت القنوات الموالية للحكومة، إلى إعلان «انتصار عظيم» على المعارضة وقبول المشروع الرئاسي، فيما ركزت المعارضة على تآكل أصوات الحكومة والقوميين، وذلك أن مجموع أصوات هذا التحالف في الانتخابات الأخيرة بلغ نحو 65 في المئة، فيما نتيجة التصويت كانت متقاربة جداً، وهو ما قد يشعل النقاش داخل حزب الحركة القومية الذي دعم المشروع لكن قاعدته الانتخابية خذلته ودعم المنشقون عنه الرافضين المشروع الرئاسي.