من النادر جداً أن تجد في السعودية أحداً يعمل بالمثل القائل: «على قدر لحافك... مدّ رجليك»، فالقاعدة المعمول بها عرفاً هي الاهتمام بالمظاهر عموماً وببعض التفاصيل خصوصاً. والأمر ليس غريباً أو جديداً، فالمظهر الحسن ورغبة التميّز ربما يصنفان ضمن التصرفات «الفطرية»، وهذه توجد لدى شعوب الأرض، مهما اختلفت المعايير بين شعب وآخر. لكن المشكلة في السعودية أن الجميع يريد أن يكون «على سنْغة عشرة»، كما يقولون بالعامية المحكية، فعلى الشاب أن يلبس ثوباً وشماغاً أنيقين، ونظارته وساعته من الصعب أن تكونا عائدتين لماركتين غير شهيرتين، إلى جانب الجوال الذي يتغير في العام مرة أو مرتين، وربما أكثر، فضلاً عن السيارة التي يجب أن لا يقل ثمنها عن 15 ألف دولار في أسوأ الأحوال. مع كل هذه «الثقافة» المتفشية في الشارع السعودي، يُعتبر الشاب الذي لم يقع فريسة قرض مصرفي، أو دين شخصي، غريباً. ولا يتوقف الأمر عند هذه النقطة، فمن يشتري سيارة بقيمتها الأساسية نقداً، يكون كأنه فتح فتحاً «مبيناً». غيبوبة مرهقة يعيشها شبان وشابات يلهثون وراء المظاهر بأي ثمن، حتى بتَّ لا تميز طبقات المجتمع الحقيقية، إذ تداخلت الشرائح الاجتماعية في شكل كبير، ولم يعد المظهر الخارجي مرآة تعكس الواقع الاجتماعي الحقيقي للفرد. وفي المقابل، تقدم المصارف تسهيلات مذهلة لكل من يريد تقييد نفسه بقرض، فتجد المتهافتين من أصحاب الدخل المحدود يتسابقون على الاقتراض، بعد أن يشاهدوا إعلانات المصارف في الصحف، ونسب الفائدة المنخفضة. ويلجأ الطلاب الجامعيون إلى الاستدانة من جامعاتهم، عبر «سُلف» يصرفها ما يسمى «صندوق الطالب»، عادة ما تكون لأسباب غير ضرورية، وتتجاوز قيمتها 2600 دولار. يقول طالب جامعي (فضل عدم ذكر اسمه) إنه استدان من جامعته لأمر ضروري من وجهة نظره، «استطعت من خلاله إجراء المزيد من التعديلات على سيارتي الخاصة». ولا يخفي الطالب نفسه أنه لم يكن ليحصل على القرض الجامعي، لولا سرده للجامعة ظروفاً مغايرة عما أنفق فيه القرض، وهو الأمر الذي دفع بجامعته إلى إعطائه القرض، في مقابل قسط شهري رافقه بعد دخوله حرم جامعته بأشهر. وسيستمر معه الطالب حتى تخرجه. إلا أنه يعترف بأن مكافأته لم تكن تكفيه قبل أن يقترض ولم تعد ذات جدوى كبرى، بعد أن اقترض. صالح الزيادي (شاب) اشترى سيارة فارهة بنحو 55 ألف دولار عبر نظام التقسيط، فور التحاقه بوظيفته، عازياً ذلك إلى رغبته في مجاراة زملائه الذين يملكون سيارات فخمة، لا يملك سُدْس قيمة إحداها. والاهتمام بالمظهر لا يبقى في الشارع، فالتغييرات الداخلية للمنزل، من ديكور وأثاث، تدفع بكثيرين إلى استدانة الآلاف على رغم كونهم من ذوي الدخل المحدود. ولا تبدي إحدى السيدات (فضلت أيضاً عدم ذكر اسمها) انزعاجها وتبرّمها من أن تغيير ديكور المنزل كان سبباً رئيساً في إحداث نزاعات بينها وبين زوجها الذي لم يكن يجد ضرورة ملحة في تقديمه طلباً للحصول على قرض من أجل ديكور المنزل. ولكنها تعترف بأن فرحتها بمنزلها الجذاب «لم تدم طويلاً». تقول: «تسببت الديون في انقلاب حياتنا إلى عذاب». وإذا كان الرجال يفضلون المظهر الحسن، فالنساء يعشقنه عشقاً. نوال القحطاني تؤكد أن معظم الفتيات لم يعدن يشترين الأزياء والإكسسوارات إلا من الماركات العالمية، وهو ما يلقي بالأوزار على آبائهن وأزواجهن وجيوبهم. وعلى رغم أن دخل خالد اليحيوي لا يتجاوز 700 دولار، يُضطر إلى تقديم ولائم مكلفة إكراماً لضيوفه – من دون مراعاة أوضاعه المادية السيئة – فقط لئلا يُعتبر من المنبوذين. ولا يخفي أن جزءاً من الدَيْن الذي أرهق كاهله ناتج من كرمه المفرط. خبراء وآراء الخبير الاقتصادي، شكيب حبيب، يلفت إلى إشكالات لدى الأفراد، في ما يتعلق بقرارهم الاستدانة، عازياً ذلك لكون هذا القرار يُتخذ غالباً في شكل تسويقي. وأوضح أن العديد من الأفراد لا يتنبهون لخطورة اتخاذ مثل هذه القرارات على الأسرة مستقبلاً، مشيراً إلى أن موظفي المصارف لديهم خدمات ومنتجات قد يعمدون، في بعض الأحيان، لإخفاء بعض الحقائق عن ما يترتب على القرض من أجل الوصول إلى النسب المفروضة عليهم من قبل تلك المصارف. ويتطرق حبيب إلى أن التقسيط هو أحد أوجه الدين بيد أنه هو أقلها ضرراً، واصفاً إياه بالحل «الأسلم» ومقدراً نسبة المديونين من الطبقة ما دون المتوسطة بما لا يقل عن 60 في المئة. ويوضح المدير العام للشركة السعودية للمعلومات الائتمانية «سمة» أن تشريعات مؤسسة النقد أدت لتقليل نسب التعثر في سداد الديون في السعودية. ويقول: «هناك مصارف تتبع سياسات ائتمانية ميسرة بينما هناك أخرى أكثر تشدداً في هذا السياق». ويشير إلى مصارف تستخدم التقرير الائتماني للفرد قبل الموافقة أو الرفض. وينتقد ثقافة التمويل لدى العديد من الأفراد والتي لم يتوانَ عن وصفها ب «المتدنية» مبدياً تعجبه من أفراد يقترضون لأجل الدخول في الأسواق المالية. ويتطرق إلى أنه ما قبل 2005 لم يكن هناك تقييد من قبل المصارف في تطبيق شروط القروض، إذ أنها كانت من متطلبات الخدمة المدنية، وليس مؤسسة النقد، وهو ما تم تداركه في ما بعد. ويبرر لجوء كثيرين من متدنيي الدخل إلى الاقتراض بأن نسب التضخم التي زادت عن 28 في المئة، لم تكن ثقافتهم ومدخولاتهم المالية كافية للتأقلم معها.