بعد 5 أعوام على اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري و20 شخصاً صودف وجودهم بالقرب منه، ستوجِّه المحكمة الخاصة بلبنان في الأسابيع المقبلة اتهاماتها الأولى. وهل تستطيع محكمة أولى تابعة للأمم المتحدة تُكلَّف بملاحقة جريمة «إرهابية»، الوصولَ إلى المخططين من دون أن تعرِّض التوازن اللبناني الهش للانهيار؟ ويأمل أنصار المحكمة الخاصة تحريرها من عملية الخنق التي يقوم بها «حزب الله» مستنداً إلى قوته العسكرية وقدرته على التعبئة السياسية. ولا يريد هؤلاء الخضوع لما يعتبرونه ابتزازاً دائماً يهدد الاستقرار، وترهيباً يمارسه الحزب. ومن وجهة نظرهم، سيضع القرار الاتهامي الذي تقول الشائعات إنه سيشير إلى عناصر في «حزب الله»، هذا الأخير في موقف دفاعي، ويتيح لهم من جهة ثانية، تحريرهم من هذا الضغط.. في المقابل، يرى «حزب الله»، وسورية بدرجة أقل، أن المحكمة تشكل تهديداً. فإذا شملت القرار الاتهامي عناصر من الحزب سيؤدي ذلك الى تلطيخ سمعته: وبدلا من تثبيت صورة القوة الوحيدة التي قاتلت اسرائيل وانتصرت عليها، سيظهر الحزب منظمة «ارهابية» مسؤولة عن اغتيال رئيس وزراء سابق، ومن هنا تصدر إرادة تدمير المحكمة. تجعل المعادلة هذه الفريقين عاجزين عن التراجع، فأنصار المحكمة لا يستطيعون التخلي عنها حيث يمثل ذلك اعترافاً رهيباً بالضعف، ولا يريد «حزب الله» ان يُجرّم لاعتقاده ان المحكمة جاءت نتاج مؤامرة حيكت في تل أبيب وواشنطن وباريس ومصممة لإضعافه. ويمتلك عدداً من الخيارات «القانونية»، من دون الحديث عن إجراءات يلجأ فيها الى «عضلاته». في مواجهة هذا الوضع، يأمل البعض في أن يقتصر القرار الاتهامي على «القتلة الثانويين» حرصاً على استقرار البلاد. وسيكون ذلك تكراراً «لصفقة لوكربي» بين ليبيا والدول الغربية. وتتيح الفرضية هذه ان يحافظ كل الفرقاء على ماء الوجه. لكنها تفترض أن المحكمة الخاصة تعير اهتمامها الى اللعبة هذه. بيد أن الحسابات السياسية هذه تتجاهل طلب المجتمع اللبناني بأسره للحقيقة والعدالة. ويكمن مقتل المحكمة في انتقائيتها: فالتفويض الذي منحه لها مجلس الامن الدولي لا يشمل سوى مرتكبي الجرائم السياسية، ضد رفيق الحريري والجرائم المتصلة بها، إذ كيف يمكن تبرير أن يكون موت رجل واحد يستحق انشاء نصف دولية، في حين أن الاممالمتحدة لم تجد ما تقول حيال احتجاز الذاكرة اللبنانية بقانون العفو الصادر عام 1992، رغم وقوع مجازر لا تحصى في حرب أهلية اسفرت عن مقتل 145 الف ضحية. ألا تنبغي الاستجابة إلى ضرورات الحقيقة لأسر 17 الف مخطوف ومختفٍ في مجتمع واقع في اسر نظام يعمل في ظل التفلت من العدالة؟ وتطالب منظمات المجتمع المدني اللبناني منذ أعوام، بإعادة فتح ملف المخطوفين المنتمين الى مختلف الطوائف، إلى جانب وضع آليات للعدالة غير الجزائية. التوسع في البحث عن العدالة على النحو هذا، يعطي معنى جديدا لعمل المحكمة الخاصة بلبنان. أستاذ جامعي، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 6/12/2010، إعداد حسام عيتاني