أصدر مصرف «بيكتيه» السويسري، أحد أبرز المصارف المستقلة المتخصصة في إدارة الأصول في أوروبا، تقريراً بعنوان «تحوّل الأنظار من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» يلقي الضوء على أداء الأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتحدياتها وفرصها، بالاستناد إلى احصاءات مؤشر «مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال للأسواق الناشئة» و» «مؤشر مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال للدول العربية». وقال أوليفر بيل، المدير الأول لإدارة لأصول في «بيكتيه»: «تراجعت أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شكل ملحوظ بسبب الأزمة المالية العالمية، خصوصاً مع مشاكل ديون دبي العالمية، التي قوّضت في شكل خاص عائدات العام الماضي، إذ لم يتجاوز ارتفاع مؤشر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 13 في المئة، في مقابل 75 في المئة لمؤشر لأسواق الناشئة ككل». وأضاف: «تلقّت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضربة موجعة خلال فترة الانكماش الاقتصادي، ليس فقط بسبب انهيار سعر النفط الخام العالمي، لكن لعدم توافر الائتمان في فترة ما بعد الأزمة». وتابع: «في ظل اعتماد مشاريع البنية التحتية إلى حد كبير على هذا النوع من التدفقات الائتمانية، لا ينبغي التقليل من أهمية الأسس الاقتصادية القوية في المنطقة، التي تملك ثلثي احتياط النفط العالمي ونحو نصف احتياط الغاز العالمي، ما يعني انها ستواصل تمويل مشاريع البنية الأساسية مستقبلاً لكن بانتقائية أكبر». وقدر تقرير «بيكتيه» الذي يدير أصولاً بقيمة 384 بليون دولار، إيرادات منطقة الخليج هذه السنة بنحو 750 بليون دولار، وفقاً لسعر 50 إلى 55 دولاراً لبرميل النفط الخام، في حين يبلغ متوسط السعر الفعلي لبرميل النفط الخام حوالى 77 دولاراً حالياً. ووفقاً للتقرير، تخطط منطقة الخليج لإنفاق نحو تريليوني دولار على مدى السنوات القليلة المقبلة في مشاريع البنية التحتية، لتغطية تطوير البنية الأساسية في المناطق الحضرية، خصوصاً في مركزين سكانيين كبيرين هما السعودية ومصر، ولإنشاء مراكز تجارية وسكنية جديدة، مثل المدن المملوكة للحكومة في دبي وأبو ظبي ومشاريع المدن الاقتصادية في السعودية، ومشاريع التطوير الصناعي المرتبط بالقطاع الهيدروكربوني، بما في ذلك البتروكيماويات والأسمدة واللدائن، في السعودية والكويت والجزائر والإمارات، وتطوير قطاعات السياحة والتعليم والمياه وخدمات النقل في السعودية ودبي وأبو ظبي. ولفت التقرير إلى أن ضمان استثمارات ضخمة في البنية التحتية كهذه سيتم بواسطة صناديق الثروة السيادية العربية الضخمة التي أُنشئت لتخفيف آثار أي انخفاض لسعر النفط العالمي مستقبلاً. ويشكل الصندوق السيادي الإماراتي 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والكويتي 158 في المئة وفي السعودية مئة في المئة. وتجلى الوضع المالي الجيّد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مقارنة بالدول المتطورة، عبر المستويات المنخفضة نسبياً للديون الحكومية غير المسددة، إذ تبلغ مستويات الديون الحكومية إلى الديون العامة في دول الخليج نحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة ب 36 في المئة في الاقتصادات الناشئة ككل، وأكثر من مئة في المئة في الاقتصادات المتطورة. ويتيح استمرار الإنفاق على الخطط طويلة الأجل في هذه الدول، على رغم بعض التقلبات القصيرة الأجل، في تعزيز تدفقات التمويل. وأوضح بيل: «ترك تراجع الأداء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انطباعاً بأن المنطقة منخفضة الأسعار، قياساً بمعظم الأسواق الناشئة الأخرى. ولا يبدو هذا التدنّي النسبي في القيمة متسقاً مع توقعات الأرباح الفائقة عموماً، التي تميز العديد من دول المنطقة». وتحظى توقعات أرباح الشركات بدعم الأنظمة الضريبية المنخفضة التي تطبق في دول المنطقة، ما يتيح عائدات أعلى للمساهمين. وثمة وفرة في الأراضي المتاحة لمشاريع التطوير العقاري، كما يدعم القطاع المصرفي الذي يتمتع بوفرة السيولة، إذ خصص احتياطاً كبيراً احترازاً من ديون معدومة محتملة. ويضاف إلى ذلك أن المستثمرين هم في منأى عن مخاطر تقلبات العملة المحلية، نظراً إلى أن معظم الدول أبقت على ربط عملتها بالدولار الأميركي. وتابع بيل: «تعززت توقعات تحسّن العائدات في المنطقة أخيراً، بفضل مؤشرات على أن قابلية المخاطرة عادت إلى دبي. ففي نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي باعت حكومة دبي سندات ذات شريحة ثنائية بقيمة 1.25 بليون دولار، أظهرت أن المستثمرين عاودوا إقبالهم على ديون الإمارة. وتدلّ نسبة العائد عليها البالغة 6.7 في المئة و 7.75 في المئة على الشريحتين لأجل خمس و10 سنوات على التوالي، على تحسن السيولة في سوق السندات الإقليمية». وفي دلالة واضحة على عودة الإقبال في القطاع العقاري، طرحت شركة «إعمار» العقارية بنجاح سندات قابلة للتحويل إلى اسهم بقيمة 500 مليون دولار ذات قسائم فائدة قيمتها 7.5 في المئة. وأوضح بيل: «تعتبر هذه الزيادة الناجحة لرأس المال الشركة مؤشراً مهماً لثقة المستثمرين في المنطقة، ومن شأنها أن تدعم سوق الأسهم المحلية». واستنتج أن «بيكتيه» يبقي على تفاؤله في شأن التوقعات المستقبلية للمنطقة، وبادر أخيراً إلى توظيف استثمار أولي خارج أسواق التداول في محافظ الأسواق العالمية الناشئة.