سجَّل تاريخ اختراع السيارات أن أول من كشف الوجه المميت لوسيلة النقل الأكثر انتشاراً في العالم هو سائق شاب راح يستعرض إمكانات الاختراع الجديد في شوارع لندن صيف العام 1896. كانت الضحية امرأة في الأربعينات، أما السبب فكان «شبابياً» إن أمكن التعبير، إذ سُجّل في ما كُتب حول الحادث حينذاك، أن السائق كان يقود السيارة بسرعة مفرطة، بينما كان تركيزه منصبّاً على لفت انتباه امرأة من المارة أعجب بها. ومن أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، لا يزال سجل وسائل النقل يحتفظ بالعناصر الأساسية نفسها لحوادث السير: الشباب - فاعلاً وضحية -، والسرعة المفرطة، إلى جانب أسباب وعناصر كثيرة أخرى برزت في ما بعد مع انتشار العربات وتطور كفاءاتها وتوسع شبكات الطرق واختلاف سلوكيات القيادة، وغيرها. ويسجل المغرب سنوياً أرقاماً مخيفة لحوادث السير، يستقر متوسط حدوثها على 3600 قتيل، لكن في السنوات القليلة الماضية جاوز عدد القتلى أربعة آلاف و15 ألف جريح ومعطوب. وتقول رئيسة الجمعية المغربية للشباب مستخدمي الطرق لمياء بوزيان، إن 60 في المائة من ضحايا حوادث السير هم من الشباب. وتختص هذه الجمعية التي أنشأها في 2005 طلاب مهندسون في إحدى كبريات المدارس الرسمية لتكوين المهندسين في الدارالبيضاء، بتوعية الشباب بمخاطر الطرق وقيادة العربات، لأجل خفض عدد الحوادث وضحاياها، وتتوجه أساساً إلى الشريحة العمرية 15-28 سنة، وتتحرك في ما بين العاصمة الرباطوالدارالبيضاء في أوساط المدارس الكبرى للمهندسين والجامعات. وبعد سنتين من العمل الميداني، أصبحت الجمعية سفيرة لدى منظمة الأممالمتحدة للأمن الطرقي في المغرب ضمن 400 من المنظمات السفيرة في مختلف البلدان، بحيث تعمل وفق برنامج الإعلان العالمي للشباب من أجل الأمن الطرقي، وهو نداء أطلق برعاية أممية في جنيف 2007 من شباب العالم إلى أولياء الأمور والقائمين على المؤسسات التعليمية وأصحاب القرار والمنظمات غير الحكومية والإعلام والفاعلين الاقتصاديين للسهر على أمن الطرقات وحماية حياة ومستقبل الشباب. وكانت التظاهرة الرياضية «السباق الأول ضد حوادث السير» أكبر نشاط في هذا السياق نظمته الجمعية في 2008، وشارك فيه أكثر من ألفي شاب من تلاميذ الثانويات والإعداديات بالدارالبيضاء، جابوا عَدْواً أهم شوارع العاصمة بحضور نجوم محليين وعالميين من الرياضة والسينما، وأطلقوا خلاله مئات البالونات الهوائية في ذكرى الذين يلقون حتفهم سنوياً على الطرق المغربية. وتقول آسية لمغاني، رئيسة الجمعية سابقاً إن انعدام تجربة الشباب وطبعه المتهور هما السببان الرئيسيان لوقوعه كضحية كبرى للحوادث المرورية. وفي غالبية المعطيات ذات الصلة بالحوادث المرورية عبر العالم يبرز المعطى الشبابي كمؤشر جوهري لمقاربة أسباب وقوع الحوادث ومكافحتها سواء بسواء. وتنحو إستراتيجيات الفاعلين في ميدان الوقاية من حوادث السير إلى التوجه إلى الشباب، لأنهم الشريحة الأوسع للضحايا. وتقود جمعية شبابية مغربية أخرى معترف بها لدى الأممالمتحدة حملتها الخاصة لخفض حوادث السير، وهي الجمعية الدولية لطلاب العلوم الاقتصادية والتجارية فرع المغرب (AIESEC Maroc). ويشارك فرع المغرب لهذه الجمعية، وهي الأكبر عالمياً، بضمها 32 ألف منخرط بمائة دولة، عبر «برنامج إنقاذ الحياة» (Life Saving programm)، مع اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير لدعم القانون الجديد للسير على الطرقات الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ويعتمد البرنامج أسلوب «من الشباب إلى الشباب» في الثانويات والإعداديات، وهي المقاربة المعروفة بالتعلم بواسطة النظير، أي القرين المماثل لمخاطبيه في السن والمشاغل والأهداف. ويستغرق «برنامج إنقاذ الحياة» ستة أشهر بدءاً من تشرين الاول ولغاية آذار (مارس) 2011، ويقدم دورات تدريب لتكوين المدربين وندوات ونشاطات تربوية وورش عمل، بمشاركة خبراء دوليين. والهدف بحسب المسؤول في الجمعية - فرع المغرب مهدي بنسليمان، «هو جعل الشباب المدرَّب عاملَ تغيير مؤهَّلاً لتبليغ رسالة الحفاظ على الحياة في الطرق إلى قطاع واسع من الشباب». ويقول: «يستأثر العالم النامي بحصة الأسد في عدد الحوادث المرورية. ويُقتل على طرق بلدان المغرب العربي زهاء 10 آلاف شخص سنوياً، فضلاً عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعطوبين». وخلال المنتدى المغاربي الأول للحد من حوادث السير الذي عقد في الرباط العام الماضي، صرح مسؤول في أمانة اتحاد المغرب العربي، بأن المعطيات الأوّلية تفيد بأن «الشباب المغاربي هم أول ضحايا حوادث السير، لأنهم لا يحترمون القوانين». إذاً، طالما أن الشباب هو المعني الأكبر في حوادث السير، فإن له مسؤولية كبرى في تغيير السلوكات التي تقود إلى ارتكاب حماقات قاتلة على الطرق.