تراوح سعر برميل النفط الخام الأميركي ما بين 85 و90 دولاراً قبيل اجتماع المجلس الوزاري الاستثنائي لمنظمة «اوبك» في العاصمة الاكوادورية كيتو، في 11 من الشهر الجاري، بل تجاوز في بعض الأحيان مستوى 90 دولاراً خلال الاسبوع الماضي. ولا يُتوقع ان يتبنى المجلس الوزاري للمنظمة في اجتماعه الاستثنائي هذا قراراً برفع سقف الإنتاج على رغم الزيادة في الأسعار. تكمن المشكلة التي تواجه المنظمة في عدم وجود علاقة ما بين ارتفاع الاسعار ونقص الإمدادات في الأسواق. فهناك توازن في العرض والطلب حالياً. من ثم، فإن أية إمدادات إضافية في ظل هذا التوازن ستذهب الى المخزون التجاري. وفي حال ارتفاعه عن معدلاته التقليدية، سيؤدي هذا الى انخفاض مصطنع في الأسعار، اي غير مبني على اساسيات السوق. وتتخوف المنظمة من الازدياد المصطنع في المخزون التجاري في حال تدهور الاقتصاد العالمي، ومن ثم تقلص الطلب على النفط، ما قد يؤدي الى انهيار الأسعار من دون قدرة على لجمه. ان مستوى الأسعار الحالي بدأ يفوق النطاق السعري 75 - 85 دولاراً الذي عبر عنه المسؤولين في المنظمة للأسعار المرغوب تحقيقها، ويتضح ان هذه الزيادة في مستوى الاسعار مستمرة. ويعود السبب في الارتفاع الى جملة من الأسباب: زيادة معدلات الاستهلاك في الصين نتيجة النهضة الاقتصادية المستدامة، وموجة البرد القارس في اوروبا، وقيمة الدولار. لكن، هناك ايضاً عامل جديد ادى الى ارتفاع الاسعار هو زيادة استهلاك النفط في الولاياتالمتحدة، على رغم استمرار الأزمة الاقتصادية هناك. وتشير التصريحات التي ادلى بها مسؤولون في دول اعضاء في المنظمة الى احتمال ارتفاع الاسعار الى ما فوق 100 دولار في ظل عوامل الطلب والعرض الحالية، وتوقعت مؤسسات استثمارية اميركية ان يتخطى مستوى الأسعار 140 دولاراً في الفترة المقبلة، كما فاجأ بعض الوزراء الاسواق بالقول ان مستوى 90 دولاراً هو سعر متوقع ومقبول، على رغم ان تصريحاتهم السابقة كانت تؤكد موافقتهم على مستوى 75 - 85 دولاراً. فما هو المستوى السعري المستقبلي الذي تنشده المنظمة، هل هو 75 - 85 دولاراً، ام ان الارتفاع الحالي مقبول لديها، وهل تعتقد ان 90 دولاراً وما فوق سعر مناسب؟ لقد لاقى هذا المستوى السعري تأييد كل الدول المنتجة، لأنه يساعد اقتصاداتها، بخاصة بعد انهيار الأسعار الى نحو 30 دولاراً. كما لاقى تأييد الدول الصناعية الكبرى لأنه يساعد في جذب الاستثمار في صناعات الطاقة البديلة. اما الآن، وقد اخذت مسيرة الأسعار ترتفع تدريجاً الى مستويات عالية، ومن دون أي رادع، فهناك مشكلة تواجه منظمة «اوبك». اذ عليها ان تعلن عن المستوى السعري الذي تهدف الى تحقيقه، والأهم من ذلك، كيفية محاولة الحفاظ عليه. بمعنى آخر، ما هي السياسة الانتاجية التي ستتبعها، او ما هو مستوى الإنتاج الجديد؟ ان الإعلان عن النطاق السعري المنشود والالتزام به مهم من اجل المحافظة على صدقية المنظمة التي تتمتع بها حالياً، بعد سنوات من التشكيك بسياساتها. فهي تعرف ان الأزمة الاقتصادية العالمية لم تنته بعد، وآثارها لا تزال تهز صدقية بعض اهم المصارف العالمية الكبرى، ناهيك عن الثقة في اليورو. طبعاً، لا علاقة للنفط بهذا التدهور في الاقتصاد الأوروبي. تستطيع المنظمة من دون شك، او يستطيع وزراء «اوبك»، الإيحاء بالمستوى السعري المنشود، وعن نواياهم في كيفية تحقيق هذا المستوى، من خلال التصريحات المناسبة ومن ثم إلحاقها بالسياسات الإنتاجية اللازمة عند الضرورة. ويشكل مؤتمر كيتو مناسبة جيدة لإطلاق الإشارة المناسبة للأسواق، من خلال الإعلان او الإيحاء ومن دون اي تغيير حالياً في مستوى الإنتاج الرسمي، ما يمكّن من كبح ارتفاع الاسعار او تفادي صعودها السريع. كما ان توضيح سياسة منظمة «اوبك» الانتاجية في مؤتمر كيتو مهمة جداً، خصوصاً لأن الاقتصاد العالمي يواجه خضات عدة، كما ان صناعات بدائل الطاقة قد اخذت تنطلق، وستجد دعماً كبيراً من الأسعار العالية جداً للنفط، ناهيك عن الآثار السلبية لارتفاع اسعار النفط على اقتصادات الدول النامية، وعلى فئات الدخل المحدود. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة