في عام 1948 لم يفقد الفلسطينيون أرضهم ومنازلهم فقط، بل فقدوا أيضاً الكثير من تراثهم وثقافتهم بين ضياع وسرقة، ومن بين المفقودات الأغاني التراثية الفلسطينية القديمة التي كانت تغنى بكلمات وألحان وأصوات فلسطينيةأصيلة. وفي محاولة لاسترجاع ولو جزء بسيط مما ضاع، يقوم التلفزيون الفلسطيني على مشروع هو الأول من نوعه، تحت عنوان «إعادة إنتاج الأغاني التراثية الفلسطينية» حيث جرى ويجري البحث عن الأغاني التراثية القديمة، لإعادة إنتاجها عبر عدد من الفنانين المكرسين والشباب... وفي رحلة البحث هذه اكتشف أن بعضاً من هذه الأغاني مطروح هذه الأيام على انه من تراث دول عربية أخرى. ويقول سامح خضر مدير عام العلاقات الدولية والتدريب في تلفزيون فلسطين، والمكلف إدارة المشروع ل «الحياة»: «كانت الأغاني الفلسطينية التي تبث على شاشة التلفزيون الفلسطيني محدودة جداً حيث إن الجيل الجديد يستمع الي مغنين ومطربين عرب ولا يعرفون عن اغانيهم التراثية الا ما ندر، ومن هنا جاءت الفكرة التي بلورها ياسر عبد ربه المشرف العام على الإعلام الرسمي الفلسطيني، حيث أوعز إلينا بالبحث والتنقيب عن الأغاني التراثية القديمة في محافظات فلسطين كافة». ويضيف خضر: «بدأنا العمل على المشروع منذ اكثر من عام، وبالصدفة البحتة وأثناء عملية البحث تم التعرّف إلى محمد التميمي وهو باحث مختص في جمع الأغاني التراثية النادرة القديمة المغناة بأصوات فلسطينية آنذاك مثل نقولا ابو نقولا ومارون اصفر وغيرهما وله أرشيفه الخاص في هذا المجال، حيث كان يسافر بين الأقطار العربية ليجمع هذه الأغنيات حتى لو كانت مسجلة بالصوت فقط ... وجدنا لديه عدداً من الأغنيات التي كانت تغنى في مطلع القرن العشرين وكانت تبث على إذاعة «هنا القدس»، ولكن في عام 1948 عام النكبة ضاعت هذه الأغاني كما ضاع الوطن». فلسطينية خالصة ويقول خضر: «استمعنا الى هذه الأغاني ذات الكلمات الجميلة جداً واللهجة الفلسطينية البحتة، وقررنا إعادة توزيعها وإنتاجها بأصوات فلسطينية شابة، بدأنا بتجديد 12 أغنية، وتم تسجيلها في مصر وكان التعاون مبدئياً مع أربعة مطربين فلسطينيين: هم دلال أبو آمنة، عمار حسن، رائد كبها، والصوت الجديد أحمد الجلماوي». ويضيف: «من ثم قررنا انتاج وتوزيع مجموعة أخرى من الأغاني التراثية، ولكن بأصوات جديدة، ومن هنا بدأت مرحلة أخرى في المشروع وهي البحث عن أصوات جديدة في مدن وقرى فلسطين كافة سواء في الضفة أو في مناطق عرب 48، وتم تشكيل لجنة خاصة مكونة من مطربين وموزعين وموسيقيين لاختبار واختيار الأصوات الشابةالجديدة التي تتقدم لنا. اخترنا 16 صوتاً جديداً كان أصغرهم طفلاً في التاسعة من عمره، وفي هذه المرحلة سنستمع إلى أغانٍ تراثية فلسطينية قديمة بأصوات شابة جديدة، وقررنا إعادة تسجيل وتوزيع هذه الأغاني في فلسطين وتم التعاون مع موزعين محليين. وفي خطة متقدمة من المشروع قرر القائمون عليه تصوير عدد من الأغاني التي تم تسجيلها بطريقة الفيديو كليب، وتم الخروج حتى الآن بثماني أغنيات أخرجها عرابي السوالمة، كان أولها «يا يمة» أغنية الفنان الفلسطيني القدير أبو عرب، وغناها الشاب الجلماوي، الذي كانت له أيضاً أحدث الأغنيات المصورة في إطار المشروع بعنوان «يا دروبي»... في الفترة المقبلة سيقوم بإخراج كليبات هذه الأغنيات ستة مخرجين فلسطينيين بعضهم يقيم داخلها، وهناك مخرجون فلسطينيون من خارج فلسطين. ويقول خضر: «انتهينا من تسجيل 36 أغنية خلال العمل في المشروع والآن نعمل على تصوير الأغاني جميعها بطريقة الفيديو كليب». الأولوية للداخل وحول موضوع تسويق هذه الأغاني عربياً يرى خضر أن من الضروري العمل على تسويق «أغانينا الفلسطينية التراثية والرومانسية الحديثة عربياً»، لما من شأنه الترويج لهذه الأغنيات من جهة، وما قد تدره من مبالغ مالية تساعد في تطوير المشروع. وحول فكرة مشاركة فنانين من أصول فلسطينية برزوا على المستوى العربي، ويقيمون خارج فلسطين، قال خضر: قد يتم التعاون معهم في المستقبل، لكن الأولوية الآن للفنانين المقيمين في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة المواهب «من غير المشهورين»، فاكتشاف فنانين جدد من بين أهداف المشروع أيضاً، إضافة إلى النبش والبحث والعمل على إعادة الحياة لأغنيات كادت تضيع إلى الأبد، بسبب الاحتلال وغيره. وفي إطار تأكيد فكرة إبراز الفنانين الشباب من الموهوبين، جاءت أغنيتا أحمد الجلماوي، وصورتا بطريقة الفيديو كليب، وحظيتا بحضور محلي كبير... ويقول الجلماوي: «أعتقد بأن هذا المشروع من أهم المشاريع الفنية في فلسطين، فهو من جهة يحافظ على التراث الغنائي الفلسطيني ويعيد إحياءه، ومن جهة أخرى يبرز الكثير من المواهب الشابة... بالنسبة إلي أتاح لي هذا المشروع فرصة الظهور أمام الجمهور الفلسطيني، بخاصة أن التلفزيون اليوم هو أكثر وسائل الإعلام انتشاراً، وأعتقد أن المشروع سيساهم في إبراز الكثير من المواهب غير المعروفة، وغير المكتشفة في فلسطين قبله».