قد يكون مفهوماًً، من الناحية الرياضية، ان يتبادل جمهورا منتخبي الجزائر والسودان لكرة القدم الاعتداء، خلال مباراة التصفية للمشاركة في كأس العالم الاخيرة التي أقيمت في جنوب افريقيا. المنافسة كانت قوية للفوز في المباراة التي تضمن رصيداً رياضياً ومالاً للفريق المنتصر. كما ان البلدين، نظراً الى الوضع السياسي الداخلي فيهما، كانا في حاجة الى قضية وطنية من اجل الاستقطاب الشعبي. ولم يكن مهماً في كل الاحوال من المبتدئ بالاعتداء او على من تقع المسؤولية. في كل الاحوال يبقى لمعركة كرة القدم هذه تفسيرات ودوافع مفهومة. وانتهت الحملات الرسمية المتبادلة التي ادت اغراضها، واصطلحت الامور اخيراً بين البلدين، وكأن شيئاً لم يكن. لكن ان تصل معركة لكرة القدم بين ناديين في البلد الواحد، الى ما وصلت اليه الامور في الاردن عشية اول من امس، فذلك يتطلب وقفة جدية امام الظاهرة، ورؤية ما بعد الرياضي فيها. هذا النوع من الاشكالات حصل بن ناديين. «الوحدات» الذي يستقطب مشاعر الاردنيين من اصل فلسطيني، و «الفيصلي» الذي يستقطب مشاعر اردنيي شرق المملكة. وهو ليس الإشكال الاول من نوعه، اذ يتكرر بين جمهوريهما لدى كل مبارة بينهما في الدوري الاردني. وفي كل من هذه المبارة تُسمع هتافات وشعارات تعكس المشاعر المتناقضة بين الجمهورين، تصل احياناً الى حدود الاسفاف والعنصرية. وقد لاحظت السلطات الرياضية والسياسية هذا الواقع فأقرت خطوات لمنع احتكاك الجمهورين بعد المباراة. وحصل الإشكال الأخير بعدما غادر جمهور «الفيصلي» الملعب. لا بل دافع اداريو «الوحدات» عن هذا الجمهور وسلوكه. على رغم ذلك حصل الإشكال وسقط نحو 250 جريحاً. ودانت السلطات الاردنية الحادث وكذلك المعنيين في الناديين. واطلقت الحكومة وعوداً بتحقيق ومعاقبة المسؤولين. لكن كل ذلك لا ينفي ان مشكلة هذا النوع من الحوادث تتجاوز الشأن الرياضي. لا بل يؤكد ان الانشطار الاجتماعي هو الذي يدفع الى تجاوز الشأن الرياضي، ولتصبح الرياضة، وهنا كرة القدم الأكثر شعبية، المتنفس للاحتقانات المتراكمة. ليتوازى احياناً تشجيع فريق ما مع الانتماء الى موقف سياسي - اجتماعي. والأمر لا يقتصر على الاردن حيث الانشطار الاجتماعي بين مواطنيه من اصول فلسطينية او شرق اردنية، اذ يتطابق الانقسام في كل بلد بحسب انشطاره الاجتماعي. ليأخذ مثلاً في لبنان طابعاً طائفياً، اذ لم يكن لكل طائفة ناديها ومشجعيه. وليأخذ في بلدان اخرى، مثل الخليج مثلاً، طابع التنفيس عن احتقان شباب يتماهون مع هذا النادي او ذلك. لا شك في ان الرياضة في كل المجتمعات تأخذ، من خلال التحدي والمنافسة، معنى صمام الامان لتنفيس الفائض لدى المشجعين. وكثيراً ما انزلقت الى العنف حتى في اكثر المجتمعات تماسكاً اجتماعياً. لكن الانقسام فيها عشوائي ولا يتطابق مع الانتماء الاهلي. لذلك تأخذ هذه المشكلة في بلداننا اهمية مضاعفة، نظراً الى تطابقها مع هذا الانتماء، لتصبح تعبيراً عن صراع الانتماءات اكثر من كونها مرتبطة بالرياضة. وهي ستستمر ما دامت مجتمعاتنا تعاني مشكلة التدامج الاجتماعي، وتعاني صعوبة في التعبير السياسي، وما دام التعاطي مع فئات المجتمع ينطلق من الانشطار المجتمعي.