وجدت أم وعد نفسها مضطرة إلى تسجيل ابنتها في مدرسة قديمة جداً، حينما لم تجد بُداً من ذلك، بعد أن هب الناس وسارعوا إلى ملء مقاعد المدارس الحديثة الآمنة باكراً لعلمهم المسبق بتهافت الناس عليها خشية الاضطرار إلى ما كان مصيراً لطفلة أم وعد، ما دعاها إلى إجراء محاولات حثيثة طرقت فيها مختلف السبل بغية نقلها إلى مدرسة أخرى يطمئن لها قلبها الشفوق على طفلتها. وتقول أم وعد (من سكان أحد الأحياء في جنوبجدة): «شعرت بصدمة حينما رأيت مدرسة ابنتي متهالكة الجنبات، وعلى رغم أنها ليست آيلة للسقوط، إلا أنها قديمة جداً وتصيب بالإحباط، إذ إن الأوراق متراكمة في زوايا فنائها ما يوحي باتساخها وعدم مراعاة جوانب النظافة فيها، إضافة إلى اتساخ الجدران القديمة جداً، لذا عملت المستحيل ونقلتها (بعد أن اضطررت إلى بقائها عاماً دراسياً كاملاً) في السنة التي تلت سنتها الأولى في تلك المدرسة إلى مدرسة جديدة شرعت أبوابها لأول مرة». وتتابع والدة الطالبة الصغيرة: «لاحظت على «وعد» بعد نقلها إلى المدرسة الجديدة تغيير نفسيتها وشخصيتها التي أصبحت تحب مدرستها أكثر، وتستيقظ لها بصورة أنشط عن ذي قبل، وأصبحت تكره الغياب وأنها بدت فخورة بها من خلال دعوتها لقريباتها لزيارتها في مدرستها وتحولهن إلى الدراسة معها في نفس المدرسة». وعلى النقيض، حينما تتذكر مرام مدرستها الابتدائية تختلج في مخيلتها أسوأ الذكريات، وسردت حكايتها: «حينما انتقلنا إلى بيت جديد في جنوبجدة اضطر أهلي إلى نقلي إلى مدرسة قريبة من مكان سكننا، لكنها كانت قديمة جدة وآيلة للسقوط»، وتواصل: «كانت زميلاتي في المدرسة الجديدة يروين لي قصصاً غريبة عن المبنى وأنه مسكون بالجن وأن حرم المدرسة شهد جريمة قتل وأنهن يشاهدن أشباحاً في الفصول والحمامات، ما كوّن لدي فكرة سيئة عنها خصوصاً أنني كنت أصدقهن وبالتالي كرهت المدرسة التي أصبحت أسوأ ذكريات حياتي فقد كنت أذهب إليها بالضرب والبكاء، لدرجة إصابتي بحال نفسية متردية أبعدتني عن زميلاتي من الطالبات، لكن الحمد لله لم أمكث طويلاً حتى انتقلت المدرسة إلى مبنى آخر بسبب أنها ستسقط في أي وقت ريثما يبنى لنا مبنى جديد، بيد أن موعد الدراسة في المدرسة المنتقل إليها كان موعداً مزعجاً، إذ كانت الدراسة تبدأ بعد الظهر، وهنا بدأ الفصل الثاني من المعاناة إذ لم تتقبلنا طالبات المدرسة الجديدة بل ويقلن لنا اخرجن من مدرستنا وكأن الأمر بأيدينا، ما جعلني أصمم على التسجيل في مدرسة غيرها بشرط أن يكون مبناها جديداً». وعلى النسق ذاته، كانت لمنى أيام أغرب من الخيال في مدرسة قديمة ومتهالكة لم تتحمل الذهاب إليها أسبوعاً فقط، وعن قصتها تقول: «سجلت في مدرسة ثانوية في جنوبجدة، بينما أسكن في الشمال، ما استصعب علي التأقلم مع المدرسة والطالبات وحتى المعلمات»، وتضيف: «على رغم عدم مضي ثلاثة أو أربعة أيام على دوامي في المدرسة المعنية دفعني عدم التأقلم مع مجتمعها إلى تكرار حال الغياب عن الدراسة أكثر من مرة حتى انتقلت إلى مدرسة أخرى»، ومضت بالقول: «لو لم أنتقل لجلست في البيت»، موضحة أن تجربتها هذه هي الأولى لها في مبنى مدرسي مستأجر، إضافة إلى أنها الأولى في مبنى قديم وعلى رغم أنه غير آيل للسقوط لكن فصوله وساحته مكتظةً بأعداد مهولة من الطالبات لدرجة تشعر بالاختناق، ما يؤثر على نفسياتهن، فكانت الطالبة عندما تنتقل من تلك المدرسة تشعر وكأنها مولودة من جديد وتحسدها بقية الطالبات على النقل».