كان ينقص لبنان ووسائل إعلامه وثائق من موقع «ويكيليكس»، وسط كل أزماته... فهذا البلد الذي يشكل إعلامه وبخاصة تلفزيوناته، مرجلاً تغلي فيه تصريحات ساسته - وهم القائمون أصلاً عليها - يبدو أن قدره أن يكون له في كل واد عصا. وتتقن تلفزيوناته الذهاب إلى تلك الوديان وإن كانت بعيدة وسحيقة، لتحضر تلك العصا وتروح تلّوح بها عبر الشاشات بما تزخر به من نشرات اخبارية وبرامج حوارية سياسية. فالإعلام اللبناني وبعض الساسة، وجد في وثائق «ويكيليكس» مادة دسمة يستخدمها ضد الخصوم السياسيين الذين يفترض أنهم شركاء في الوطن. وتلك المادة عبارة عن مضامين أحاديث بين البعثة الديبلوماسية الأميركية لدى لبنان وبعض رجال السياسة في فترة معينة من الزمن تضمنت آراء واقتراحات من بعض اللبنانيين ضد بعضهم الآخر. لكن يفوت على كثيرين أن ذاك الزمن هو زمن الزلزال الذي أصاب لبنان باغتيال الرئيس رفيق الحريري وأن الكلام في حينها كان آخذاً في الصعود حتى انفجر معركة في 7 أيار أدت في ما أدت إليه، إلى طي ما سبقها من صفحات بما اكتنزته من آلام. ولكن يبدو، من خلال ما تسعى وراءه يومياً التلفزيونات والبرامج السياسية أن ثمة صفحة جديدة يراد لها أن تكون مشابهة، ولا ضير في رأي القائمين على هذا الإعلام، من استخدام وثائق «ويكيليكس» لتسعير المعركة ولو تلفزيونياً وإعلامياً، وإن كان في وثائقه أموراً تهز دولاً لكن الجمهور اللبناني لم يسمع بآثارها إلا على بلده وعبر تلفزيوناته بالنشرات الإخبارية والحوارات، علماً أن غاية صاحب الموقع (الموقوف) جوليان أسانج ومسانديه هي تعرية الولاياتالمتحدة أمام العالم، والأجدى ببعض الإعلام اللبناني المعادي لها أن يذهب في إذاعتها أبعد كثيراً من الساحة اللبنانية الضيقة. إذاً، يبدو أن تلك الحوارات التلفزيونية أيضاً، بدأت تسلك طريقاً مختلفاً ولم تعد تتصف باسمها، بل اصبحت سجالات، وأن بعض الإعلاميين معديها ومديريها أصبح غير قادر على ضبط النقاش فيها وتوجيهه بما يفترض اجراء الحوارات المباشرة من طرح الرأي والاستماع إلى الرأي الآخر ليقنع الجمهور المتابع بالمعلومات والحقائق بوجهة نظره. فالمقدم غدت حيلته لوقع «الحوار» بين «الأعدقاء»، إشارة من يده إلى مخرج البرناج ليقطع الحلقة ويترك الناس متشوقين إلى معرفة الخاتمة، وكلهم أمل بأن يمدّ الضيفان يديهما بعضهما إلى بعض صفعاً وضرباً. هذه الأخبار والمشاهد لا يمكن تصريحاً لوزير السياحة فادي عبّود يقول فيه إن «الدنيا بألف خير» أن يمحوها، وكذلك لا يستطيع رئيس الحكومة سعد الحريري بظهوره مع طفلته يضيئان مع عشرات شجرة الميلاد في «أسواق بيروت» أن تبعثرها، ليس لأنهما (عبود والحريري) لا يريدان ذلك، بل لأن التلفزيونات لا تريد أن تخصص لهما سوى حيز صغير من وقت بثها، بينما تفتح هواءها على مداه أمام الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.