اتهم المشاركون في أولى الجلسات العلمية لملتقى حاتم الطائي الثاني الذي ينظمه نادي حائل الأدبي الثقافي من 1 إلى 3 أيار (مايو) الجاري، الرحالة الغربيين للجزيرة العربية ب «الجاسوسية» وأنها السبب الرئيس لتوافدهم إلى الشرق الأوسط والجزيرة العربية سابقاً، ضمن سلسلة استخباراتية وعسكرية لاستكشاف المنطقة العربية وتقاسمها، إذ ذكر عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله العسكر في هذه الجلسة، التي أدارها الدكتور علي النملة، وموضوعها: «حائل في كتابات الرحالة الغربيين»، أن الرحالة الخاتون بيل دخلت مدينة حائل عام 1913، وهي قادمة من بغداد في رحلة استغرقت قرابة ثلاثة أشهر، وقال: «إنها من جهاز المخابرات البريطانية، وكانت تعمل لمصلحة مكتبهم في مصر قبل أن ينتقل إلى بغداد»، وبيّن العسكر أن الرحالة الخاتون بيل بدأت حياتها من إيران، إذ كان عمها سفيراً لإنكلترا لدى طهران في ذلك الوقت، وكانت شخصية مثيرة للجدل وذكية تستطيع استنطاق كل شيء، وتمتلك دراية كاملة بشؤون الجزيرة العربية. وكشفت الباحثة في الشؤون التاريخية كاي أورنبيري في ورقتها أن «الرحالة جورج أوغست والن دخل الجزيرة العربية متخفياً بأكثر من اسم، منها (عبدالوالي ومولى)، وادعى الإسلام وهو مسيحي، وذلك يبيّن لنا أن مشروعه كان استخباراتياً»، وأضافت أنه جاء إلى حائل عبر القوافل من مصر مروراً بمدينة تيماء ثم تبوك، ووصف حال المدينة في تلك الفترة بأنها ينقصها الازدهار الاقتصادي. من جهته وصف المحاضر في قسم التاريخ بجامعة القصيم الأستاذ سليمان العطني كل ما كتبه الرحالة بأنه «آراء انطباعية وليست حقائق وبعضها لا يمت للحقيقة بصلة، وأن بعضهم شوّه صورة الجزيرة العربية عبر كتاباته التي لم تكن وفق أسس منطقية، بل كانت وفق مواقف وانطباعات شخصية حدثت لهم»، فمثلاً، بحسب قوله «الرحالة الإنكليزي تشارلز داوتي المتخصص في علوم الجيولوجيا كتب عن حائل أشياء مخجلة في حق أهل المنطقة، خصوصاً الإمارة في ذلك الوقت، وأنه وصل إلى الجزيرة العربية منتحلاً صفة طبيب وهو رجل متعصب دينياً». وشارك الدكتور صالح السنيدي المتخصص في كتب التاريخ بورقة عمل عن الرحالة وليم بلغريف، ذكر فيها أن أهم أهداف رحلته إلى حائل والجزيرة العربية تحريك المياه الراكدة في ذلك الوقت في منطقة الشرق الأوسط، وكانت لأهداف سياسية واستخباراتية، وجاء متخفياً باسم «الطبيب أبوعيسى»، وكان «يمارس في حائل مهنة الطب وفي مدينة الجوف التجارة، وذلك لإخفاء هويته الحقيقية التي كان يعمل بها في مصر ودمشق»، وأضاف أنه «وصف الكرم في الجزيرة العربية بالطيش الصبياني وليس تقديراً للنعم التي هم فيها». وفي المداخلات على تلك الأوراق انتقدت الدكتورة هويدا صالح المشاركين في الجلسة، «لأنهم لم ينقلوا لنا حال الإنسان الحائلي في ذلك الوقت، بل ركزوا في أوراقهم على الحياة السياسية وغفلوا عن الجانب الأهم». فيما نبه الباحث محمد البقاعي إلى أنه «يجب دراسة حالة الرحالة في الجزيرة العربية بشكل مختلف والابتعاد عن تقويم ما قدموه للخروج بتحليل منطقي للواقع الذي كنا نعيشه سابقاً». أما الدكتور عبدالله الربيعي فرأى في مداخلته أن دراسة حالة الرحالة أمر صحي، وأن الصراع من أجل الجزيرة العربية هو الدافع الرئيس لهم، وأن «كل ما كتب عن بلادنا من الرحالة الأجانب يجب أن يدرس وينقح خصوصاً الجانب الاقتصادي، وألا يقتصر التركيز على الجانب السياسي فقط». أما في الجلسة الثانية، التي كان محورها «حائل في كتابات الرحالة العرب والمسلمين»، وأدارها إبراهيم المزيني، فنفى الباحث في التاريخ الإسلامي والإيراني الدكتور رسول جعفريان أن تكون في ثنايا قوافل الحجاج الفارسية التي تمر بشمال الجزيرة العربية وجبل شمر في حائل رحلات استكشافية ذات بعد استخباراتي لتزويد الدولة الصفوية بتفاصيل دقيقة عن منطقة نجد، وذلك رداً على السؤال الذي وجهه له الإعلامي الدكتور زيد الفضيل خلال مداخلات الحضور بعد إلقائه ورقته العلمية التي كانت بعنوان: «طريق جبل شمر في الرحلات الصفوية»، التي جمعته بستة مشاركين آخرين. وقال جعفريان: «إن هذه المعلومات لم نسمع بها ولم تذكرها كتب التاريخ الفارسي فهي غير صحيحة، فالحجاج الإيرانيون كانوا يسلكون طريق البصرة والأحساء مروراً بنجد وجبل شمر»، وأوضح أن هناك مكاتبات وخطابات كثيرة بين حكام إيران وملوك حائل آل رشيد لبحث العلاقات الأمنية بين الجانبين في تلك الفترة. وكشفت الباحثة الإيرانية الدكتورة إسراء دوغان في ورقة العمل التي قدمتها بعنوان: «جبل شمر»، أن الأسباب التي جعلت الحجاج الإيرانيين يختارون طريق نجد هي وفرة المياه وشراء بعض المحاصيل الزراعية بأنواعها وبيعها في النجف. وتناول الدكتور عبدالله المطوع في ورقته رحلة الرحالة السعودي خليل الرواف التي تنقّل خلالها بين الجزيرة العربية والشام فلم يمكث أكثر من 4 أشهر في مكان واحد حتى تجاوز سن ال50 عاماً، ويعد أصغر رحالة زار حائل إبان إمارة آل رشيد. وتحدثت الدكتورة هويدا عزت، المتخصصة في الأدب الفارسي، عن حائل في كتب الرحلات الفارسية، وقالت: «إن الكتب الفارسية أشادت بتعامل أهالي حائل»، وبيّنت أن الكتب الفارسية من المصادر المهمة في هذا المجال. من جهة أخرى، تحدث المشارك في الجلسة مشرف الدراسات والبحوث في جامعة أنقرة الدكتور عبدالله الشمري، من خلال المخطوطات، عن موقف الأتراك من علاقة آل الرشيد مع الغرب، ونقض بعض العلاقات مع الأتراك وآل الرشيد. بينما شرح الدكتور عبدالله الحامد في ورقته بعنوان: «الرحلات وإشكالات الذات لفهد العريفي»، الرحلة الأدبية التي تكتب بصيغة أدبية وتكون واقعة بعيدة عن الخيال، مشيراً إلى أن العريفي قيد الذات في رحلته ووضع سؤالاً لماذا الإنكليز يكرهون العرب؟ وقال: «إن العرب لا يهتمون بالنظافة عندما يسافرون إلى أوروبا، فهم يسكنون الفنادق، إضافة إلى أن بعضهم يدخل صالات القمار، وينال العرب كلهم الذكر السيئ». الشعر والخيول والكرم أبرز ما تحدت عنه الرحالة في الجلسة الثالثة بعنوان: «تراث حائل في كتابات الرحالة» التي أدارها عبدالله الفوزان، اتفق المشاركون على أن الكرم والشعر والخيول العربية أبرز ما كتبه وتحدث عنه الرحّالة عن حائل في القرنين الماضيين، وبدأت الجلسة بحديث الدكتور محمد البقاعي عن «جبل شمر وحائل في كتاب الجزيرة العربية المعاصرة» الذي ألّفه الفرنسي أدولف دافريل ونشر في باريس عام 1868 ولم يترجم، وكان يحوي مواضيع عن الكعبة والتوحيد والدين الإسلامي، وكذلك الدعوة الإصلاحية، حتى تدخّل المصريين، إضافة إلى مواضيع عن نجد وجبل شمّر وحائل والحجاز. ورأى البقاعي أن أهمية هذا الكتاب تكمن في اعتماده على مجموعة كبيرة من كتب المستشرقين. بعد ذلك، قدمت رئيسة قسم اللغة العربية رئيسة معهد الدراسات الشرقية في جامعة جاغيلونيان البروفيسورة باربرا ميتشلاك بيكولسكا ورقة عن الرحالة البولندي جيوفسكي، وكانت أول رحلة له إلى المنطقة العربية في عام 1818 بحثاً عن الخيول العربية، وزار جبل شمّر وأبدى إعجابه بأهلها ومدى معرفتهم بالخيل، كما عبّر في كتابه عن حبّه للصحراء ونجد. فيما أكد الباحث الدكتور محمد المشوح أن عموم من يبحث في تاريخ الجزيرة العربية في القرون الثلاثة الأخيرة يتفق على شح وندرة وغياب المصادر الصحيحة الصادقة، وأضاف: «منذ أعوام قلائل بدأت تظهر بعض الكنوز العلمية التاريخية، منها محلية لا تصل إلى درجة علمية راقية في الصياغة والسبك العلمي والتحليل التاريخي القويم، وأجنبية تتمثّل في كتابات الرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية خلال القرنين الماضيين لأهداف وغايات مختلفة تباينت الآراء نحوها»، وأشار المشوح إلى أن حائل كان لها نصيب هائل من كتابات الرحالة لما تتميز به من موقع استراتيجي مهم. بعد ذلك تحدث المبعوث الخاص سفير هولندا لدى سورية الدكتور مارسيل كوبرتشوف عن زيارته إلى حائل قبل 30 عاماً لأغراض البحث، ومشاهداته خلال الزيارة، وذكر أن ما لفت انتباهه في المنطقة، الكرم، وأهمية الشعر عند أبنائها، والاستمرار الثقافي، والتغيير الحاصل في الانفتاح فيها، واستشهد بعدد من القصص التي تحكي ذلك. وتناول المتحدث الخامس في الجلسة بيتر هارغن الخيول العربية وأهميتها بالنسبة إلى الغربيين، واستعرض خريطة توضّح انتشار الخيل في الجزيرة العربية وأهم الإسطبلات فيها آنذاك.