قدّمت بريطانيا رسمياً أمس، طلب «الطلاق» من الاتحاد الأوروبي، في مستهل مفاوضات معقّدة قد تدوم سنتين، ويُمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على التكتل الأوروبي ذاته، وربما أيضاً على وحدة المملكة المتحدة. وأكّدت رئيسة الحكومة تيريزا ماي أن «لا عودة إلى الوراء» بعد إبلاغها الأوروبيين خطياً بطلب الانسحاب من الاتحاد، إلا أنها حذّرت بروكسيل، من مغبّة ارتكاب «خطأ مكلف» إذا حاول الاتحاد معاقبة بريطانيا على خطوتها، في إشارة إلى إصرار الاتحاد الأوروبي على أن تدفع لندن ما يصل إلى 60 بليون يورو (50 بليون جنيه) مستحقات مترتبة عليها قبل توقيع أوراق «الطلاق»، الذي يبدو أنه سيكون أحد أكثر عمليات الانفصال كلفة في التاريخ (للمزيد). وفيما كانت ماي تُبلغ مجلس العموم ظهراً بقرارها بدء معاملات الطلاق من الاتحاد الأوروبي، كان المبعوث البريطاني لدى الاتحاد في بروكسيل سير تيم بارو يُسلّم رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك رسالة تتضمن طلب لندن تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، التي تُطلق رسمياً مفاوضات الانفصال. وعقد توسك مؤتمراً صحافياً بدا فيه حزيناً جداً، ودعا إلى «عدم التظاهر بأن هذا يوم سعيد». وتوجّه إلى البريطانيين قائلاً: «نفتقدكم منذ الآن». وبريطانيا هي ثاني أكبر مساهم في موازنة الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا. وقال توسك إن دول الاتحاد ال27 الأخرى ستتفاوض مع البريطانيين بموقف واحد بهدف «الحفاظ على مصالحنا». ولوحظ أن رسالة ماي إلى توسك (8 صفحات) تضع بريطانيا أمام صدام محتمل مع الأوروبيين، إذ إنها قالت إن إجراءات الطلاق يجب أن تُناقش «في الوقت ذاته» مع مناقشة اتفاق تجاري محتمل بين الطرفين، وهو موقف يختلف عن موقف بروكسيل التي تُصر على أن تدفع لندن المستحقات المترتبة عليها لمصلحة موازنة الاتحاد الأوروبي، قبل التفاوض على شكل العلاقة المستقبلية. ورفضت مستشارة ألمانيا أنغيلا مركل المفاوضات المتوازية. ويُتوقع أن يبدأ كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه عملية التفاوض بتقديم «فاتورة» إلى البريطانيين، يطلب فيها منهم سداد 50 بليون جنيه استرليني (60 بليون يورو) قبل التفاوض على الأمور الأخرى. وتقول رسالة ماي إن بريطانيا ستخرج فعلاً من السوق الموحدة، لكنها تتطلع إلى اتفاق واسع للتجارة الحرة، وإنها تريد أيضاً التوصل إلى اتفاق على ضمانات لحقوق المواطنين الأوروبيين في بريطانيا والبريطانيين في أوروبا. وفي كلمتها أمام البرلمان، تحدثت ماي عن «نقطة تحوّل كبيرة» في تاريخ بريطانيا، مضيفة أنها «لحظة تاريخية لا مجال للرجوع من بعدها». وشددت على أن بريطانيا بخروجها من الاتحاد ستستعيد سلطات كانت تنازلت عنها، خصوصاً في مجال القضاء. وذكّرت بأن قرارها ترجمة لرغبة الشعب البريطاني الذي اختار في استفتاء حزيران (يونيو) الماضي الخروج من الاتحاد، لكنها لمّحت في الوقت ذاته إلى أنها تعتزم تعزيز صلاحيات الأقاليم التي تتشكل منها بريطانيا، في خطوة فُسّرت أنها تهدف إلى طمأنة اسكتلندا التي يريد القوميون فيها استفتاءً جديداً على الانفصال عن المملكة المتحدة.