هي ليست لغتي، وليست لهجتي. هي نتاج فقط لما يريد الآخرون أن يقرأوه. أنا لست أنا، وإنما المقابل الآخر لي. الردح الكتابي والرقص «البلدي» على مسرح الحروف، يعتبران بالمقاييس كافة - في حال إذا ما كانا بادئين - تخلفاً مريعاً وتجهيلاً فظيعاً. وتضليلاً يرتبط دائماً بأمانٍ مريضة لا يرجى برؤها ولا أمل من شفائها. ولا مواجهة معهما، تصلح، سوى القمع! الضرب على الرأس هو خير وسيلة للتعامل مع من لا يرى فيك سوى عيوبك. أو بشكل أدق وأقرب للحقيقة: من لا يريد أن يرى فيك أي ملمح للجمال. يبحث فقط عن سوءاتك. وإن خانته عينه مرة ورمته على مساحة جمال فيك، لوّنها بألوان منظاره الأسود، وأضافها لقبحك! الضرب على الرأس يتأرجح ما بين التجاهل التام المصحوب بنظرة احتقار، والردح البلدي «المضاد» المبني على حقائق تاريخية! خاطب القوم بلغتهم لعلهم يفوزون بنصيب من الفهم. على جزء ما من خريطة العالم، يعيش رجل اسمه أسعد أبوخليل. هذا الأسعد الأبوخليل امتهن منذ سنوات عدة الكتابة عن ثلاثة أشياء فقط: النفط والسعودية وجلد الذات على الطريقة اللبنانية اليسارية! أسعد يظهر كثيراً كثيراً على قناة «الجزيرة»، ولا أبالغ إن قلت أن لا أسعد آخر غير أسعد يظهر على شاشة القناة من أميركا! وفي كل مرة يظهر فيها، يجنح بالقول حتى يصل بالحديث إلى حدود السعودية حتى ولو كان موضوع النقاش يدور عن ثوار الساندينستا في أميركا الوسطى! يحاول دائماً أن يربط مشكلات العالم بالسعودية. يختلق المداخل والمخارج التي تمكّنه من اتهام السعودية بالذي صار والذي لم يَصِرْ. يضعها دائماً في قلب القلاقل اللبنانية. قبل أسابيع تناقلت المواقع الإلكترونية وبعض الصحف العربية مقالة لهذا الأسعد الأبوخليل عنوانها: «ماذا لو ينضب النفط؟!» وسأتناول هنا في هذه المقالة مقاطع من مقالته مع رد «ردحي» يتناسب مع طريقته المجانية في كتابة المقالات. أو لأقل، يتناسب مع طريقته الممجوجة التي لا تستهوي سوى ممجوجي الفكر! يقول الأسعد: «لو نضب النفط العربي لتغيّر الكثير الكثير في عالمنا العربي. لو نضب النفط، لما تقاطرت جموع الرجال زرافاتٍ زرافات إلى مهرجان الجنادريّة الفاقع الذكوريّة». وأقول: بارك الله في هذا النفط، الذي عرفت به عدوي من صديقي. قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام عندما حمل أجدادنا مشاعل النور والحرية من مكة والمدينة إلى مدينة صور «مسقط رأس الأسعد» وما جاورها، لم يكن يطمع أجدادنا في أكثر من أن يمنّ الله علينا بتحرير أجداد الأسعد من عبادة البيزنطيين والأوثان. قطع أجدادنا آلاف الكيلومترات مشياً وعلى ظهور خيولهم وجمالهم، من أجل فقط أن ينتشلوا جد أسعد أبو خليل (ربما كان اسمه خليل) من ظلامياته وجهله، ويضعوه في قلب النور الإسلامي. ذهب أجدادنا من صحاري الجزيرة إلى مرابع الشام وغاباتها المثمرة، وعادوا بعد أن أنهوا مهمتهم وهم يدعون لإخوانهم الذين دخلوا تواً في الإسلام بتمام النعمة وبقائها. واليوم يتمنى الحفيد الصغير أسعد أن يُذهب الله نعمته التي منّ بها علينا! ما أشقاك أيها العقل، ما أشقاك! النفط صار قضية إخواننا العرب منذ سنين طويلة. فمنذ اكتشافه في الجزيرة العربية قبل ثمانين عاماً وهو شغلهم الشاغل يتساءلون كيف لهؤلاء الذين لم يمنّ الله عليهم بنعمة الاستعمار أن يرفلوا بنعمة النفط ونحن محرومون منه؟ أجداد أسعد القريبون جاءهم الاستعمار، وهم يتخبطون في جاهلية تشبه جاهليتهم الأولى فأخرجهم منها، بنى لهم الجامعات وشق الأقنية، وشيّد المستشفيات، وربطهم بأوروبا المتنورة، وعندما بدأوا في تنفس الهواء الطبيعي بعد فترة طويلة من الغرق في الهواء الملوث، باغتهم العسكر «أو أصدقاء العسكر» من أبناء جلدتهم «وربما يكون جد أسعد، خليل الصغير أحدهم»، وسحقوا شعوبهم تحت أحذيتهم، أعادوهم من جديد إلى الجاهلية التي لا تموت، تمرض فقط لكنها لا تموت. بدلاً من دعائك يا أسعد المبلل بدمعك بذهاب نعمة النفط، ادع لأهلك وبنو وطنك بنعمة تنتشلهم من الحد الصفري، الذي يجلسون عليه منذ خروج فرنسا. وفي مقطع آخر يقول الأسعد: «لو نضب النفط مبكراً، لكانت المشيخات والسلطنات والممالك المرسومة بقلم المُستعمِر جمهوريّات، لو نضب النفط لما تلوّثت الثورة الفلسطينيّة بكل تنظيماتها بمال النفط، ولما استطاع ياسر عرفات وأبو السعيد أن يفرضا منطق أنظمة الخليج العربي الرجعي على الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة». وأقول ما أشقاك أيها العقل! ما أشقاك! يقول الأسعد إن بلداننا مرسومة بقلم المستعمر! هل تريدني أن أردح يا أسعد؟ لولا وجود المسيحيين غرب جبل لبنان لما كان هناك بلد اسمه لبنان. لو لم تنتصر فرنسا في الحرب العالمية الأولى لما كان ل «اللبننة» وجود. لو أخذ الله عُمر جورج بيكو ومارك سايكس مبكراً لربما ظهرت الخريطة العربية التي نراها الآن شمال السعودية بشكل مختلف ومغاير! أما مسألة الجمهوريات والملكيات، فأحيلك فقط إلى قراءة تاريخية في عراق، مصر العشرينات والثلاثينات والأربعينات ومقارنتها بجمهورياتك القومية في الستينات والسبعينات. كما أحيلك أيضاً إلى دراسة الأنظمة المسخ الموجودة الآن، والتي تداخلت فيها الملكية بالجمهورية، فأضحت كيانات «ملكهورية» هشة! وبخصوص الدعم الذي تقدمه دول الخليج لعرابي المقاومة الفلسطينية، فكلامك صحيح مئة في المئة هو بمثابة الهباء المنثور، لأنه إن سلم من السرقة لم يسلم من إنكار الجميل. صدقت في هذه، فقد تعودناها منك ومن مَن يشبهك! ويقول في مقالته الطويلة: «لو نضب النفط العربي اليوم أو غداً، فسيتغيّر الكثير في عالمنا العربي، ويظهر النفاق على حقيقته». لو نضب النفط لهتف الجمع الصحافي العربي بضرورة إسقاط أنظمة من مخلّفات استعمار الغرب وبعلائم من القرون الوسطى. وأقول: «تقول مخلفات الاستعمار؟!! ما أشقاك أيها العقل.. ما أشقاك؟! نحن الذين كوّنا هذه الدولة الإسلامية الممتدة من الصين شرقاً إلى حدود المغرب الغربية غرباً. صرنا مخلفات استعمار! نحن الذين تعاقبت على أرضنا ممالكنا وإماراتنا بدءاً من الخلافة الرشيدة الأولى المباركة وحتى الدولة السعودية الثالثة. قل لنا يا أيها الأسعد ذو العقل الشقي، هل صدّر لنا الفرنسيون البنطلون والقميص بدلاً من الشروال والحزام؟ هل ورثونا الميني جيب؟! هل أعطونا قشرياتهم ومنعوا عنا لبهم؟! هذا أمر، الأمر الثاني، لماذا تظن ظن السوء في أبناء جلدتك بهذا الشكل، هل هذه ثقافة مشتركة عندكم؟ من يدفع لي أكتب عنه، ومن لا يدفع أشتمه؟! ظنك حقيقتك يا أسعد! «قصديتك» في التفكير انعكاس لذاتك، فانظر من أنت! يعتبر الأسعد الأبوخليل أن حمل السعودية اسماً عائلياً فيه منقصة لها ولشعبها، وهو - للمفارقة - يعيش في دولة تمت تسميتها علي الاسم الأول «وليس العائلي أيضاً» لأول من اكتشفها. أميركا التي يأكل من خيرها الأسعد صباحاً ويتغنى بديموقراطياتها ظهراً ويشتم أهلها مساءً سماها الجغرافي الألماني مارتن فالدسميلر على اسم المستكشف العظيم أمريكو فيسبوتشي. يعتقد الأسعد أن تسمية مملكتنا بالسعودية فيه انتقاص منا كشعب، لكنه لا يستحي أن يلغي تاريخنا الحضاري الممتد منذ آلاف السنين على أرض الجزيرة العربية بحجة أننا سعوديون! بمعنى أنه يقول لا تستخدموا اسم «سعودي» في جنسياتكم، لكنه يقرر في المقابل أنه لا يحق لنا الافتخار بالعباقرة العرب الأوائل الذين عاشوا على أرضنا بحجة أنهم ليسوا سعوديين مثلنا! يظن الأسعد أنه لا بأس أن يفتخر المصري بالفراعنة واللبناني بالفينيقيين «لم تكن الدولة اللبنانية قد ظهرت في عصر الفينيقيين ، إذ لم تنتصر فرنسا في الحرب العالمية الأولى حتى الآن» لكن لا يحق للسعودي أن يفتخر بأجداده الصحابة الأُول! لماذا؟ لأنه سعودي! وهم لم يحملوا الجنسية السعودية. وكأن الفينيقي مثلاً كان مسجلاً في إدارة الأحوال المدنية بالكسليك! الدول التي تحمل أسماءً عائلية كثيرة على الخريطة العالمية، وأظن أن ذلك مبعث فخر لا مبعث انتقاص. السعودي يا أسعد يفتخر بسعوديته ويفتخر أيضاً بكل اسم حمله قبل قيام الدولة السعودية الأولى المباركة. كما يفتخر بتاريخه العريق الممتد منذ آلاف السنين. النفط يا أسعد نعمة عظيمة، ليس بسبب استخدامها في تطوير بلداننا فحسب، بل لأنها جعلتك تعيش على وهم: ذهاب نعمة جاري أفضل من أن أرزق بنعمة، وفي هذا لعمري - وموتك - موت للجزء البشري فيك. ملاحظة أخيرة: عندما يتحدث هذا الأسعد ومن هم على شاكلته عن الأنظمة العربية المعتدلة التي تسير ضد توجهاتهم الكارثية، فإنهم في العادة يشتمون الأنظمة ويستثنون الشعوب، إلا عند حديثهم عن السعودية ودول الخليج، فهم يشتمون الأنظمة والشعوب على حد سواء. لاحظوهم عندما يتحدثون عن مصر، تجدهم يمجدون في الشعب المصري ويصفونه بالعظيم ويميلون كل الميل على نظامها، أما إذا أتي الحديث عن السعودية، فالشتم يطاول السعودية كلها، حكومة وشعباً... لاحظوهم فقط. *كاتب وصحافي سعودي - أبو ظبي. [email protected]