على رغم أن أتباع الديانات كلها يستمدون أشكال ممارستهم للتدين من تعاليم الدين ونصوص الكتب المقدسة، يلاحظ اختلاف في تطبيق التعاليم الدينية، وأشكال التدين، وممارسة الشعائر، باختلاف الزمان والمكان. أي تبعاً للفترة التاريخية وطبيعة المجتمعات وثقافاتها، ونظمها. فليس هناك ثقافة دينية واحدة ثابتة ونهائية، بل هناك ثقافات متعددة لنفس الدين الواحد. ولا نضيف جديداً بقولنا إن الثقافة التي سادت خلال فترة الخلافة الراشدية غير تلك التي عرفتها الخلافة الأموية، وكلاهما يختلف اختلافاً نوعياً عن ثقافة العصر العباسي. ولعلنا نجد في التعدد الثقافي وتنوعه، الذي من تجلياته تعدد المذاهب الفقهية، ما يفسر لنا بعض الظواهر الدينية، كاختلاف زي النساء (الحجاب، النقاب، إلخ) بين أتباع الديانة الإسلامية، باختلاف المجتمعات، بل ضمن المجتمع الواحد. هنا، قد يكون مفيداً الإشارة لمثال آخر له علاقة بالزي، حيث جرت العادة، أن تظهر النساء من أتباع الديانة المسيحية، حاسرات الرأس. لكن في بعض المناطق العربية، كحوران في جنوب سورية، وبير زيت في فلسطين، ترتدي النساء، من أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية، الزي نفسه، الذي يتضمن غطاء شعر الرأس. في هذا السياق، يحق للمرء التساؤل، إن كان ما يطبقه المسلمون في بلدين كماليزيا وأفغانستان، على سبيل المثال، هو تعاليم الدين نفسه؟! كذلك الأمر بالنسبة لشكل التدين المعتدل والبسيط والمنفتح على الآخر، الذي نلاحظه في تركيا، والذي تقابله أشكال متطرفة، في باكستان وإيران وغزة وسواها. ينقلنا الحديث عن التدين وأشكاله، الى موضوع بالغ الأهمية، هو ظاهرة التطرف الديني. فمن الخطأ ربط هذه الظاهرة، بنصوص الأديان، مثلما من البديهي عدم إلصاق تهمة التطرف بجميع أتباع هذه الديانات. إن ظاهرة التطرف الديني، التي تعتبر الطائفية أحد أشكاله، تنمو بوضوح، في المناطق ذات الأوضاع غير المستقرة، التي تعصف بها الأزمات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتفتقد لدولة المواطنة والمؤسسات، وتعجز سلطاتها السياسية عن تحويل ثقافة الانتماء للوطن إلى ثقافة جامعة لكل أبنائه، وتكون مهيمنة على ما عداها من ثقافات، الأمر الذي يحول هذه الأخيرة إلى هويات بديلة تحل محل الهوية الوطنية الهشة والمفككة. ولا نضيف جديداً بقولنا إن تطرف أتباع دين ما، يولد تطرفاً مضاداً، لدى أتباع دين آخر، الأمر الذي باتت مألوفة مشاهدته في أكثر من مكان في هذا العالم (الهند، باكستان، العراق، لبنان، اليمن، مصر، السودان...إلخ ). وخلاصة القول إن مقولة «الدين هو هو»، و «أشكال التعبير عنه هي هي»، في أي مكان وزمان، مقولة ليست صحيحة، وتحتاج للتصويب، مثلما يجب تصويب مقولة أن التطرف حكر على بعض الأديان، ونتاج نصوصها وتعاليمها! فالتطرف ظاهرة قديمة جديدة، وأصحابه ودعاته، ينتمون الى جميع الأديان، من دون استثناء.