{ سعاد وخيك فنانة لا تستكين، ترتب أولوياتها تماماً كألوان قوس قزح، وتختار وقت بزوغها لتجعل من حضور لوحاتها الحكاية الأولى والأخيرة، فازت أخيراً بجائزة مهرجان الزيتون العاشر في الجوف، وعرضت معرضها «وتد» في جدة، قبل أشهر، وقد نال استحسان المهتمين بالفن التشكيلي. طورت بشكل ملموس اشتغالها على اللون، وتم انتخابها نائباً لجماعة الفن التشكيلي بالقطيف، تجتهد كثيراً في مد يد التواصل والتطوير قدر استطاعتها، وتأمل بورش فنية غنية لزيادة الخبرات من أجل خلق حراك فني يليق بما وصلت له الحركة الفنية في المملكة. «الحياة» زارت مرسمها وكان معها هذا الحوار. بين محطات رئيسية «حكايا إنسان» و«حوار الصمت» وأخيراً «وتد»، كيف تصف الفنانة سعاد وخيك اشتغالها وقفزاتها ومراحل تشكل وعيها اللوني، عبر هذه المحطات؟ - بدأت مشواري مع الفن التشكيلي بالقلم والمسطرة والورقة، فتشكلت لدي أشكال هندسية، وبمساعدة والدي وتشجيعهما أصبحت رسامة، ثم فنانة، ولا أنسى البيئة المدرسية التي جعلتني محل قيادة ومسؤولية في الفن، وبدأت بتطوير ذاتي من خلال دراسة تشكلت من دورات عدة، بداية بدورة التعبير الفني لدى الأطفال، وألحقتها بدورات، مثل: أساسيات الفن التشكيلي- آفاق حديثة - رؤية حديثة في الفن - التصوير التشكيلي والحداثة - الخط الديواني والثلث - التقنيات المختلفة. وبدأت بالمعرض الثنائي «حوار الصمت»، الذي يتحدث عن حياة البيئة من زمن الماضي وفقدان الاحتواء الداخلي لدى العائلة، ما سبب عدم الثقة بالنفس والخجل لدى الأبناء والتجاهل... جردت أعمالي من الواقعية ملموسة الحس إلى التجريد. ثم نقلت أعمالي الى محطة ثانية وكانت المعرض الشخصي الأول، الذي أقيم في منتدى الثلثاء الثقافي بالقطيف. ويأتي بعد هذه المحطة التشجيع من الأعضاء في نادي الفنون، الذين يكوّنون كتلة من العائلة الفنية المعطاء، الذين أسهموا معي معنوياً بإقامة المعرض الشخصي الأول «حكايا إنسان»، الذي يتحدث عن النظرة التفاؤلية لذوي الاحتياجات الخاصة، وأن الإعاقة ليست في الجسد وإنما الإعاقة في الأخلاق، محطتي الأولى كانت في صالة نادي الفنون بمركز التنمية الاجتماعية بالقطيف، والمحطة الثانية في العاصمة الرياض، المعرض المقام بمعهد العاصمة جمعية الثقافة والفنون «جسفت». والمعرض الثالث بعنوان: «وتد» الذي أقيم في جدة في غاليري نسما آرت. متخففة في معارضك، مع العلم أنك ولجت الفن التشكيلي باكراً، لم التباعد بين المعارض زمنياً؟ وهل تخافين الحضور المتقارب؟ - الذي يبعدني عن المشاركة ليس هرباً أو عدم رغبتي في المشاركة ضعفاً مني، بل لأني أتقدم للمشاركة عندما أشعر بأن عملي يستحق المشاركة، حينها لا أتردد، ليس الفنان هو الذي يظهر أو يشارك في جميع المعارض، إنما من يفهم ويقدر معنى المشاركة، الذي هو عبارة عن وسيلة إيصال الفنان بريشته وألوانه إلى المجتمع بمثابة رسالة، ومشاركاتي سواء داخلية أمخارجية تجعلني أشعر بالثقة بذاتي، والتعرف على فئات مختلفة من فناني الفن وذوي الخبرة الفنية وتجاربهم... «وحده الفن قد ينجح في اعتقال لحظة هاربة ما، من دون أن يقتلها أو يموت بموتها». (غادة السمان). متى يمكن للفنان أن يقبض على لحظة متميزة، برأيك؟ - يمكن للفنان أن يقبض على لحظة متميزة إذا تحركت مشاعره وتفجرت عواطفه تجاه موقف إنساني، مثل حالات التشرد لدى الأطفال، أو الفقر، أو ما تخلفه الحروب من مآسٍ جسمية على الإنسان. اللحظة المتميزة هي التي تتحرك فيها مشاعر الإنسان ويكون في قمة الخيال، فتبدع ريشته. بين معارض دبي والبحرين وكتارا أخيراً، تنشط حركة فنية كبيرة، فمتى يمكن أن يستثمر الفن لدينا بالشكل الفني والمادي الذي يؤهل الفنان للاستمرارية والاعتمادية على النفس؟ - المعارض الفنية التي يتم فيها تبادل الخبرات والاستفادة من تجربة كل فنان أو فنانة تثري الحركة التشكيلية بشكل كبير، وتعتبر رافداً مادياً للفنان، ومنها تكون انطلاقته إلى معارض دولية، وهي تعزز اعتماد الفنان التشكيلي على نفسه وتجعله يضع قدمه في مصاف الفنانين العالميين. دخلت التجريدية في تجربتك الأخيرة؛ كيف يمكن التعبير عن الذات من خلال هذه التجربة؟ - التجريد عبارة عن لحظات من واقع الحياة، إذ جربته في لوحة فنية بكل أحاسيسي اللونية ومشاعري تجاه الواقع والمجتمع، وإضافة التقنيات والرموز والتراث الشعبي، ما يجعل المتلقي يقف أمام العمل بكل ما يحويه من نظرة وإحساس ومشاعر وجمال العمل. فلسفتك في معرض ومسمى «وتد»، علام بنيت وإلى أين يمكن الذهاب به؟ - معرض «وتد» الذي يتحدث عن رؤية الطفولة نقية طاهرة. «وتد» هو الحماية المطلوبة من المجتمع لكل طفل في العالم كي يعيش سعادة متكاملة، وهو خط أحمر حتى يكون الطفل هو انبلاجاً مضيئاً لمن حوله في المستقبل، ليحقق الخير والسلام الدائم. أتمنى أن يكون له محطة ثانية، ولكن لا أعلم أين؟ ربما أكتفي بمحطة واحدة. أتركها للأيام والقدر هو الذي يقرر... «الوقت الوحيد الذي أحس فيه بأنني حي هو عندما أرسم». (فان خوخ). متى تشعر الفنانة وخيك بالحياة وخفة الروح؟ - أشعر بالحياة وخفة الروح عندما أمسك ريشتي وألواني وأفكاري، حين أترجم بكل معاني الروح والحب. أتمنى أن أنتقل بريشتي إلى عالم آخر، أحلق بأعمالي إلى الدول الأوروبية حيث الفن الحديث... «شجرة لكنها تسمعك وتصغي إليك، ما عليك إلا أن تحسن مكالمة الطبيعة». (قاسم حداد). في بداياتك كنت تتماسين مع الطبيعة، ترى إلى أي حد كانت الطبيعة قريبة منك في قالبها الفني وتأثيرها اللوني؟ - بدأت برسم الطبيعة الصامتة، ثم برسم الأدوات الشعبية والبدوية، واتجهت إلى الواقعية برسم البورترية. كان أول عمل لي «غروب وشروق الشمس»، الذي حاز إعجاب الشاعر سعود الفرج، إذ جعل منها غلافاً لديوانه «ربما أمل»، والآن أنا في صميم المدرسة التجريدية. حين تشعر باستحالة الرسم ستبدأ ألوانك في إخراس ذلك الصوت». (فان خوخ)، هل ستبدأ باليأس من اللافائدة من الفن التشكيلي، أو راودتك ذات تعب رغبة في التوقف عن كل شيء؟ وما الذي نهاك عن فكرة كهذه؟ - لم يصبني اليأس من الفن التشكيلي، فقد كنت أتقبل آراء الآخرين، وأعتبرها مجرد وجهة نظر، ربما أحياناً يحز في نفسي سماعها، ولكن ما يزرع روح الحوار في ذاتي هو كون هذه الرؤية واضحة، ذلك أنني أتعلم منها درساً لا ينسى، وإن لم تكن واضحة فإني أتجاهلها. الفن حياة إنسان فيه التعلم والتعليم والتجارب، فهو عالم جزء من عالم الأرض الذي يعيشه الإنسان وهو البحر بكنوزه الثمينة... سأعيش معه، وذلك بحضوري ورشات فنية وزيارات معارض، أو أن أقرأ كتاباً فنياً لأحد المشاهير، من الفنان دافينشي إلى بيكاسو وغيرهم. لن أدع وجهات النظر البائسة تجعلني أتوقف عن مشواري. تم انتخابك أخيراً نائباً لرئيس جماعة التشكيل في نادي الفنون، ما مرئياتك لتطوير دور الجماعة في دعم الحراك الفني في المنطقة؟ - الحرك الفني في المنطقة موجود، ولكنه يحتاج إلى اهتمام مادي ومعنوي من المؤسسات ورجال الأعمال والمهتمين. كلنا كتلة واحدة نسعى إلى تطوير النادي، من رئيس الجماعة إلى رئيس الفن التشكيلي. وعلى النائبة التي تطمح في التغيير إقامة ورشات عمل يشارك فيها فنانون من داخل المنطقة وخارجها، وتنظيم أمسيات وحوارات فنية، وإقامة معارض ومسابقات فنية منوعة للأطفال والشباب والكبار... وتكون حلقة وصل بيننا وبين الدول الخليجية والعربية.