ينصرم العام الحالي «1431ه» و هدير الفتاوى لا يهدأ منذ بدايته، إذ حمل بين طياته صخباً بين مصدري الفتاوى والمهتمين بالعلم حيناً، وبين المجتمع كافة في أحيان أخرى. إرضاع الكبير للمستشار في الديوان الملكي الشيخ عبدالمحسن العبيكان، وهدم الحرم للدكتور يوسف الأحمد، وإباحة الغناء لإمام الحرم المكي سابقاً عادل الكلباني، وتكفير مجيزي الاختلاط باعتبار لوازمه للشيخ عبدالرحمن البراك، وعدم وجوب صلاة الجماعة لمدير هيئة مكةالمكرمة سابقاً الشيخ أحمد قاسم الغامدي، وعدم تقبيل رأس الوالد إذا كان لا يصلي لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان، ونفي الوصول إلى القمر لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالكريم الخضير، وحرمة عمل المرأة كاشيرة (محاسبة) لهيئة كبار العلماء، ربما هي الأكثر لغطاً وحضوراً في الإعلام المحلي والعالمي، في العام الماضي. عدد من الفتاوى ووجه بسيل من السخرية والنقد، كفتوى إرضاع الكبير، أو هدم الحرم، باعتبار استحالة ذلك، ما أجبر العبيكان إلى شرح مراده من الفتوى، والأحمد على النفي حيناً والتمسك بالرأي أحياناً أخرى. قال الشيخ عبدالمحسن العبيكان حول ذلك: «هناك من فهم أن هذه الفتوى تشمل السائقين والخدم وغيرهم وهذا غير صحيح فلا تشملهم أبداً وإنما هي في حالات نادرة، ونبه إلى أن بعض الناس يفهم الكلام خطأً إذ يظنون أن الرضاع يحصل مباشرة من ثدي المرأة والحقيقة أنه لا يفعل ذلك وإنما تحلب المرأة في إناء ثم يشربه بعد ذلك، كما نص عليه أهل العلم» ومنبهاً ومحذراً أن القدح في آراء الأئمة والعلماء المحققين وأعظم من ذلك السخرية فإن مثل هذا يقدح في دين من يفعل ذلك، وقد يؤثر في عقيدته، في حين أوضح الأحمد أن ما طالب به هو توسعة المسجد الحرام، والمشاعر المقدسة، والأماكن المحيطة بالحرم، ونفى تماماً أن يكون طالب بهدم المسجد الحرام. إباحة الغناء للكلباني كانت على مقربة من فتواه السابقة بتكفير الشيعة، لكن الهبّة الدينية كانت ضد إباحته للغناء في حين لم تكن كذلك مع فتواه الشيعية، في حين أنه أباح الغناء قائلاً: «الذي أدين الله تعالى به هو أن الغناء حلال كله، حتى مع المعازف، ولا دليل يحرمه من كتاب الله ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكل دليل من كتاب الله تعالى استدل به المحرمون لا ينهض للقول بالتحريم على القواعد التي أقروها واعتمدوها، كذا لم يصح من سنة نبينا عليه الصلاة شيء يستطيع المرء أن يقول بأنه يحرم الغناء بآلة أو من دون آلة، وكل حديث استدل به المحرمون إما صحيح غير صريح، وإما صريح غير صحيح، ولا بد من اجتماع الصحة والصراحة لنقول بالتحريم». وما يثبت أن المجتمع كان صاخباً من فتواه ما قاله ل«الحياة» سابقاً: «ليس ثمة ما أخسره، فقد كُفِّرتُ، ونُصِحْتُ بالذهاب إلى سوق الخضار، وغيرها من التهم، ولذلك فأنا أقول ما أدين الله به، ولا أبالي»، في ذات الشأن لفت الكاتب نواف القديمي في مقالة له بعنوان: «من يقف في وجه الغلو؟» إلا أن الكلباني حين أطلق قبل شهور قولاً مفاده (كفر علماء الشيعة) مُخالفاً به غالبية أهل العِلم المحليين الذين يعتمدون تقريرات ابن تيميّة بعدم وصفهم بالكفر فما كان من طلبة العلم سوى أن تتابعوا في الدفاع عن قول الكلباني، ثم بعد شهور فقط، يُطلق ذات الشخص (عادل الكلباني) قولاً يرى فيه جواز سماع الموسيقى، وهو أمر لا يعدو أن يكون خِلافاً في مسألة فقهية، لا تكفيراً وإخراجاً من الملّة ولكن لأن هذا القول كان باتجاه «التسامح» لا «التشدّد» توالت عليه الردود والشتائم، وانهال عليه التشنيع والإنكار بما لم يكن يتوقعه أحد! مقرراً أن «التشدّد والغلوّ مشروعية استثنائية في مُجتمعنا، وأن المُزايدة في التشدّد تجري في شرايين التيار الإسلامي المُحافظ، وستبقى مسؤولة عن كثير من ظواهر الغلوّ، التي قد تبدو تبِعاتها محدودة أحياناً، وقد تُحرِق الحرث والنسل أحياناً أخرى. المرأة والاختلاط مظلة لعدد من الفتاوى والردود الصاخبة، حتى تفرد الشيخ عبدالرحمن البراك بكفر مبيحي الاختلاط حين قال: «ومن استحل هذا الاختلاط وإن أدى إلى هذه المحرمات فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر». واعتبر القديمي أيضاً في ذات المقال أنه لم يُعهد عن أحد من عُلمائنا المحليين أن أطلق حكم التكفير على من يقول بجواز الاختلاط (ربما كان البعض يتّهم المُجيزين بالانحراف أو الضلال، لكن لم يصل الأمر يوماً للتكفير)، وأيضاً لم يُعهد عن أحد من عُلمائنا المحليين أن قرر مسألة (التكفير باللازم). هيئة كبار العلماء حين أوضحت عن رأيها في توظيف الشركات عدد من النساء بوظيفة كاشيرات بأن ذلك يعرضها (المرأة) للفتنة ويفتن بها الرجال، كانت ردود الفعل الصحافية أقوى وأشد إذ لذعت الأعمدة الصحافية فتوى كبار العلماء من كل الاتجاهات، وبدت الفتوى في نظر بعض المراقبين مفصلية في الحراك الديني السعودي وعلاقته بالسياسي الذي يدعم عمل المرأة في كل الاتجاهات، في حين انتفض الكتاب الإسلاميون ضد الهجمة الصحافية على كبار العلماء، معتبرين أن نقد كبار العلماء هم وفتاواهم يخالف القرار الملكي حول قصر الفتوى عليهم. فتوى عضو كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان في تقبيل رأس الوالد الذي لا يصلي حين سأله أحدهم بقوله هل يجوز تقبيل رأس أحد الوالدين، إذا كان يصلي أحياناً أو لا يصلي أبداً؟. فأجاب الشيخ الفوزان: «لا يجوز هذا؛ لأن هذا من المحبة، تقبيله من المحبة، فلا يجوز تقبيله؛ ولكن لا يمنع هذا من الإحسان إليه الإحسان الدنيوي، وأما مظاهر المحبة كتقبيل الرأس ونحو ذلك هذا لا يجوز»، كانت مثيرة لتساؤل الكاتب الإسلامي زياد الدريس حين قال: «أيهما أشد وقعاً وأكبر تأثيراً: الامتناع عن تقبيل الرأس عمداً أم قول «أفّ»؟! ثم أيهما أشد ذنباً: صلاة الوالد أحياناً أم دعوته ابنه إلى الشرك بالله؟ دعونا نستمع إلى الفتوى الربانية السماوية من الله الرحمن الرحيم: «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً». ثم يلخص الدريس رأيه بأن «المشكلة ليست من المفتين بل من المستفتين. فالسائل هنا يبدو من تلك الفئة التي تتقرب إلى الله بتقبيل رأس المفتي أكثر من تقربه إلى الله بتقبيل رأس والده (أمه أو أبيه)»! عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير شكك في وصول روّاد فضاء إلى سطح القمر، وقال إنهم ضحكوا على الناس بهذا الكلام. مضيفاً: «قالوا إنهم وصلوا، والآن بعضهم ينفي وصولهم إليه». متسائلاً: «مَنْ يصدقهم بأنهم وصلوا إلى القمر؟». مؤكداً أن «كل هذا القصد منه التشكيك، تشكيك المسلمين في دينهم». العام المقبل هل سيصعد بمؤشر الفتاوى المثيرة أم سيحجمها؟ لا يُدرى بماذا ينبئ فبعد أن تفاءل المعنيون بقصر الفتوى، عاد التفاعل مع فتوى الكاشيرة بالجدل إلى ذروته، ما جعل بعض الشرعيين يخرج عن صمته وينتقد أن بعض الكتاب يفتي، ويدعي أن قوله مجرد رأي لا فتوى!