تستخدم ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للرئيس السابق علي صالح كل الوسائل المتاحة تحت أيديها، للبقاء على قيد الحياة أطول فترة ممكنة، والحيلولة دون سقوط المزيد من المناطق التي كانت تسيطر عليها، في أيدي قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية المدعومة من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والتي حققت خلال الشهرين الماضيين انتصارات كبيرة، تمكنت خلالها من استعادة السيطرة على العديد من المناطق التستراتيجية، في جبهات المواجهات المفتوحة منذ نحو عامين، وبخاصة في الساحل الغربي لليمن ومحافظتي تعز وصعدة، وجبهة نهم البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء. وتعد زراعة الألغام واحدة من أهم هذه الوسائل التي يعتمد عليها تحالف الانقلاب على السلطات الشرعية في اليمن، لإعاقة تقدم قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، إلى المناطق والمحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الميليشيات، على رغم الأخطار الكبيرة للألغام على حياة المدنيين، في تنقلاتهم وخلال عودتهم إلى مناطقهم وقراهم التي نزحوا منها، بفعل المواجهات العسكرية التي دارت وتدور فيها بين مسلحي الميليشيات وقوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية. مصادر عسكرية يمنية أكدت أن ميليشيات الحوثي وصالح تقوم حالياً بزراعة آلاف الألغام في الشريط الساحلي الغربي، وبخاصة في المناطق التي تستهدفها قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، مثل مديرية الخوخة وما تبقى من منطقة وميناء ميدي وامتدادهما حتى مدينة الحديدة، إضافة إلى منطقتي نهم وأرحب والعديد من المناطق الحدودية مع المملكة السعودية والتي باتت مع مساحات واسعة من محافظة صعدة معقل الحوثيين، تحت مرمى نيران الجيش اليمني الذي يحقق تقدماً كبيراً فيها، ولفتت إلى أن كثافة الألغام المزروعة وصلت في محافظة مأرب إلى 40 في المئة من مساحة المحافظة، و70 في المئة في الجوف، و30 في المئة في شبوة، والبيضاء 60 في المئة. وقالت المصادر العسكرية ل «الحياة» إن زراعة الميليشيات لهذه الكميات الكبيرة من الألغام وفي شكل عشوائي، يهدف إلى إعاقة تقدم القوات الحكومية، ولكنه في الوقت نفسه تسبب في نزوح عشرات الأسر من منازلها، وأوضحت المصادر أن خطة تحرير محافظة وميناء الحديدة «باتت قيد التنفيذ، وأن قوة كبيرة مدربة أصبحت جاهزة للقيام بهذه المهمة، غير أن زراعة الميليشيات الانقلابية للألغام بكثافة في المناطق المؤدية إلى المحافظة ومحيطها وسواحلها البحرية، تؤخر التقدم بعض الوقت، ولكنها بالتأكيد لا تعيق قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية عن إنجاز هذه المهمة». وأشارت المصادر العسكرية إلى أن الألغام التي «تزرعها الميليشيات تستنزف الكثير من الوقت والجهد، نظراً الى كثرتها وتنوع أشكالها التي يصنع بعضها محلياً من الحديد والخشب والبلاستيك في أشكال خداعية لا توحي في شكلها أنها ألغام أو متفجرات، وتكون على هيئة أحجار وأنابيب مياه، ويتم وضعها في أماكن قريبة من السكان وفي أحياء سكنية وعلى الطرق، ما خلف الكثير من الضحايا المدنيين الأبرياء بمن فيهم الأطفال»، لكن المصادر أكدت في الوقت ذاته وجود «وحدات هندسية على درجة عالية من الخبرة والكفاءة، تقوم بمهمات تمشيط المواقع وإزالة الألغام منها، وتأمين المرور الآمن للوحدات العسكرية، وفي الوقت ذاته حماية المدنيين». يأتي ذلك في الوقت الذي حذرت أميركا من أخطار الألغام التي زرعتها الميليشيات، وقال المكتب الأميركي للاستخبارات البحرية، أن ميليشيات الحوثي وصالح زرعت ألغاماً بحرية إيرانية الصنع في البحر الأحمر، وعلى مقربة من باب المندب، ما يمثل تهديداً خطيراً لأمن الملاحة الدولية وسلامتها في باب المندب والبحر الأحمر، وحذر المكتب السفن التجارية من أخطار الألغام، وأن عليها توخي الحذر إزاء هذا الخطر. ووجه وزير الخارجية اليمني عبدالملك المخلافي، في شهر شباط (فبراير) الماضي نداء عاجلاً للمجتمع الدولي عبر حسابه على موقع «تويتر» لمساعدة اليمن على إزالة مخلفات الحوثيين من الألغام، وقال إن «الحكومة اليمنية توجه نداء عاجلاً للمجتمع الدولي لمساعدتها في إزالة مخلفات الانقلابيين من الألغام والمتفجرات في المناطق المحررة»، مؤكداً أن «الميليشيات تستخدم الألغام بكثافة في المناطق كافة التي تصل إليها، وفي التجمعات المدنية والطرقات والمدارس والمستشفيات، وتخالف بذلك كل الاتفاقات والمعاهدات». واتهمت الحكومة الشرعية في اليمن تحالف الحوثي – صالح بارتكاب جرائم ضد المدنيين، وقال نائب وزير حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر إن الميليشيات الحوثية وقوات صالح ترتكب العديد من الانتهاكات بحق المدنيين، مثل تجنيد الأطفال ومصادرة حقوق المواطنة، واستخدام الأهالي دروعاً بشرية في حربها ضد الدولة، ومصادرة مساعدات الإغاثة ونهبها وحرمان الفقراء من الحصول عليها، وأكد خلال لقائه الأسبوع الماضي في جنيف المفوض السامي لحقوق الإنسان إن «ميليشيات الحوثي وصالح زرعت أكثر من 250 ألف لغم في مناطق مأهولة بالسكان في عدة محافظات، ولم تترك خرائط لتلك الألغام بعد انسحابها». في حين كشف التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، أنه سجل 2258 حالة تضرر بشرية ومادية، خلفتها الألغام الأرضية المضادة للدروع والأفراد التي زرعتها الميليشيات في اليمن منذ بداية الحرب، وقال التحالف اليمني في تقريره حول الأضرار التي سببتها الألغام خلال عامي 2015 و2016، والذي تم استعراضه أخيراً ضمن فعاليات الدورة 34 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، إن الحالات تنوعت بين قتل وإصابة، وتفجير منشآت وتفخيخ مركبات وجسور ومزارع وآبار، وتوزعت على 16 محافظة مرتبة وفق حجم الأضرار التي تعرضت لها وهي تعز، مأرب، البيضاء، لحج، عدن، إب، صنعاء، أبين، الجوف، الضالع، عمران، شبوة، صعدة، حجة، ذمار. ووثق التقرير الذي حمل عنوان «الألغام... القاتل الخفي» 615 حالة قتل نتيجة حوادث انفجار الألغام المضادة للأفراد والدروع في المحافظات التي شملها التقرير، بينها 101 طفل دون سن السابعة عشر و26 امرأة، وأكد التقرير مقتل 533 شخصاً من المدنيين، مقابل 82 من العسكريين، وأوضح التقرير أن 924 شخصاً أصيبوا في انفجارات ألغام أرضية، بينهم 160 طفلاً و36 امرأة، وأن عدد الجرحى المدنيين بلغ 682 جريحاً، في مقابل 242 جريحاً من العسكريين، مشيراً إلى أن 148 جريحاً يعانون من إعاقات دائمة بسبب الألغام الأرضية، بينهم 146 شخصاً بترت أطرافهم، إضافة إلى حالتين فقدان للبصر. وحسب التقرير فإن الفرق الهندسية التطوعية تمكنت بالتعاون مع فرق هندسية متخصصة من الجيش، من نزع 39634 لغماً أرضياً منها 26755 لغماً مضاداً للأفراد و12879 لغماً مضاداً للمدرعات، في 12 محافظة يمنية، في حين قالت مصادر في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في اليمن ل «الحياة» إن المركز تمكن منذ تأسيسه العام 98 من تدمير أكثر من (324000) ما بين ألغام مضادة للأفراد وألغام مضادة للعربات، وقذائف منوعة وشراك خداعية. وكانت الأممالمتحدة أطلقت في شباط (فبراير) الماضي نداءً دولياً بضرورة توفير 511 مليون دولار أميركي للأعمال الإنسانية المتعلقة بالتعامل مع الألغام المضادة للأفراد في المناطق التي شهدت نزاعات، بزيادة بلغت هذا العام 164 مليون دولار، عن النداء المماثل في العام الماضي والذي كان يهدف إلى جمع 347 مليون دولار، وتبلغ حصة اليمن منها 17 مليون دولار لمكافحة الألغام.