لم يعد «معرض الدوحة الدولي للكتاب» الذي تشارك في دورته الحادية والعشرين 400 دار نشر عربية وأجنبية، مجردَ ساحة تقليدية لعرض الكتب، بل تحوَّل تظاهرةً ثقافية وأدبية، بخاصة أنه «من دون حظر» للكتب والآراء، وفقاً لوزير الثقافة والفنون والتراث القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، وبحسب تأكيد الناشرين العرب المشاركين في المعرض. القطريون في خطوة غير مسبوقة عربياً، وفي لفتة تحمل دلالات الإعجاب وقواسم الهم المشترك، أجلسوا تركيا على كرسي «ضيف الشرف» في المعرض، تقديراً لثقافتها، وتنويهاً بدعمها لقضايا العرب ومناصرتها لهمومهم وأوجاعهم. خارطة المشاركة في «مركز قطر الدولي للمعارض» تضم دولاً تولي نشر الإنتاج الثقافي اهتماماً، وتشمل لبنان وسورية والولايات المتحدة والسعودية والأردن وإيران والسودان والبحرين وبريطانيا وسلطنة عمان وسورية وسنغافورة وتونس والسويد والعراق وليبيا ومصر والمغرب والنمسا وهولندا واليمن والكويت وألمانيا. معرض الدوحة يشهد حتى الرابع من الشهر الجاري ندوات تتحدث عن «الأدب التركي» و«رحلة الكتابة من بابل الى غوغل»، الى أمسية للشاعر شوقي بزيغ ومحاضرة للإعلامي المصري حمدي قنديل وأخرى للباحث السعودي عائض القرني. اللافت في هذا الإطار أن قطر وفرت للناشرين فرصة التعبير عن «همومهم ومشاكلهم»، كما فعل الناشر والكاتب الصحافي نجيب رياض الريس في ندوة عن «أزمة النشر في العالم العربي»، وهو تحدث عن مشكلات النشر في العالم العربي، مؤكداً أن «الكلمة السرية للأزمة هي الحرية، وأعني الحرية المطلقة وليس المقيدة، وهي حرية لها ضوابط في الوقت نفسه لكنها لا تخضع للاستبداد». أشار الريس الى تجربته في عالم النشر على مدى ربع قرن في رحلة التنقل بين قبرص وبيروت ولندن، بحيث أصدر ألف عنوان، وقال إن الأسواق العربية تقلصت بسبب حواجز الأنظمة السياسية التي تعامل الكتاب معاملة المخدرات، والناشرين معاملة المهربين، هذا فضلاً عن ضعف البنية الاقتصادية لمعظم الناشرين، وعزا ذلك الى قوة الرقابة، مشيراً الى عدد من أنواع الرقابة، بينها «الرقابة الإعلامية والدينية والأمنية». هذه التفاعلات الحيوية أثارت تساؤلات عدة حملتها «الحياة» الى وزير الثقافة والتراث والفنون القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، الذي أشار في مستهل حديثه الى أن معرض الكتاب يتزامن مع احتفالية «الدوحة عاصمة الثقافة العربية للعام 2010»، ومن هنا الحرص على أن يكون مميزاً عن معارض أخرى. وهو اعتبر «أن معارض قطر لها طابع خاص باستمرار، وتحظى باهتمام الناشرين والمتابعين للكتاب بصورة عامة»، لافتاً الى أهمية اختيار «تركيا» ضيف شرف في المعرض هذا العام. ورأى في حديثه الى «الحياة» أنه « رغم أهمية تركيا الثقافية والاجتماعي والسياسية، هناك رمزية أخرى تكمن في موقف تركيا الأخير من القضية الفلسطينية، ووقوفها الى جانب غزة، وما تعرضت له سفينة الحرية من اعتداء إسرائيلي، فأحببنا أن نقول شكراً للأتراك بدعوتهم ليكونوا ضيف الشرف هذا العام». وأضاف: «اختيار تركيا وجد صدى طيباً لدى المشاركين في المعرض، وحرص الأتراك أيضاً على أن تكون مشاركتهم فعالة وذات تأثير على الكتاب»، مشيراً الى أن تركيا عرضت كتباً تركية باللغات العربية والإنكليزية والتركية، وعدداً من المخطوطات. وصاحَبَ المعرض عروض فنية تركية (رقص شعبي قدّمته فرق فنية). ووفقاً للكواري، يتميز المعرض بتنوع فعالياته، وأشار الى ندوات عدة، وقال إن «عئض القرني سيشارك في ندوة مهمة جداً عن «الكتاب خير جليس»، وهذا يعني أن معرض الدوحة ليس فقط معرضاً للكتاب، ووصفه بأنه «تفاعل فني كبير تزامن مع تكريم الرواد والمبدعين العرب» الذين عقدوا مؤتمرهم الخامس في قطر. مشاركة دول المغرب العربي في المعرض شكلت تطوراً جديداً، وأكد الكواري أنها المرة الأولى ندعو كل دول المغرب العربي لتشارك في المعرض. وقال : «للكتاب في المغرب العربي طابع خاص دائماً، والقارئ في المشرق لا يطلع على ما يحدث من تطورات كبيرة في المغرب العربي، ولذلك قدمنا تسهيلات لإخواننا في المغرب العربي ليشاركوا في المعرض، وشاركوا فعلاً مشاركة كبيرة، عبر ليبيا والمغرب وتونس والجزائر. وأعلن وزير الثقافة القطري ان معرض الكتاب شهد للمرة الأولى مشاركة العراق و«هذه مشاركة مهمة جداً»، ولفت الى ارتفاع عدد دور النشر المشاركة في المعرض، «ولو كانت القاعة (المساحة المخصَّصة للمعرض في مركز المعارض) تسمح لشارك عدد أكبر من دور النشر»، مشيراً الى مشاركة نحو 400 دار نشر في المعرض الحالي، ويشمل ذلك كل الدول العربية وتركيا، وإيران التي تشارك مشاركة كبيرة وتركيا. ويبقى السؤال الأهم: هل منعت الرقابة كتباً من دخول المعرض؟ وأجاب وزير الثقافة القطري: «هذه السنة لم نمنع كتاباً قدمته دور النشر، وكل ما قدمته تم عرضه من دون استثناء، وأقول كلمتي وأنا مسؤول عنها حرفياً، لم يُمنع كتاب واحد، وكانت هذه ظاهرة لفتت المشاركين والقراء، وفعلاً قيل لي إن ما عرض في معرض الدوحة لم يعرض في مكان آخر».